ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله، كما قال في الفصل الأول: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [1]. وفي الفصل الثاني: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [2] وبقي فصل ثالث، وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا توحيده واتباع رسوله صلي الله عليه وسلم. فهذه ثلاثة فصول تقطع شجرة الشرك من قلب مَن عقلها ووعاها". اهـ.
وذكر أيضا - رحمه الله تعالى - أن الشفاعة ستة أنواع:
"الأول" الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم - عليهم الصلاة والسلام - حتى تنتهي إليه صلي الله عليه وسلم فيقول: " أنا لها"، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف. وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد [3].
"الثاني" شفاعته لأهل الجنة في دخولها. وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه.
"الثالث" شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار بذنوبهم; فيشفع لهم أن لا يدخلوها.
"الرابع" شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين يدخلون النار بذنوبهم. والأحاديث بها متواترة عن النبي صلي الله عليه وسلم. وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة، وبدّعوا من أنكرها، وصاحوا به من كل جانب ونادوا عليه بالضلال.
"الخامس" شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم، وهذه مما لم ينازع فيها أحد. وكلها مختصة بأهل الإخلاص الذين لم يتخذوا من دون الله وليا ولا شفيعا، كما قال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} [4].
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الآيات.
الثانية: صفة الشفاعة المنفية.
الثالثة: صفة الشفاعة المثبتة.
الرابعة: ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود.
الخامسة: صفة ما يفعله صلي الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة، بل يسجد فإذا أُذن له شَفَع.
السادسة: من أسعد الناس بها.
السابعة: أنها لا تكون لمن أشرك بالله.
الثامنة: بيان حقيقتها.
"السادس" شفاعته في بعض أهله الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده [1] سورة البقرة آية: 255. [2] سورة الأنبياء آية: 28. [3] جزء من حديث أنس الطويل في الشفاعة العظمى. رواه البخاري: كتاب التوحيد (7510) : باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ومسلم (193) (326) كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. [4] سورة الأنعام آية: 51.