قال العماد ابن كثير - رحمه الله -: "يذكر الله حال المشركين به في الدنيا ومآلهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا لله أندادا، أي أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ند له، ولا شريك معه. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: " يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك " [1].
وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [2] ولحبهم لله تعالى وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم لا يشركون به شيئا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجئون في جميع أمورهم إليه. ثم توعد تعالى المشركين به، الظالمين لأنفسهم بذلك. فقال تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [3]. قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعا، أي أن الحكم له وحده لا شريك له، فإن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [4]. كما قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [5]. يقول: لو علموا ما يعانون هناك وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم لاتنهوا عما هم فيه من الضلال. ثم أخبر عن كفرهم بأعوانهم وتبرؤ المتبوعين من التابعين. فقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [6] تبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم في الدار الدنيا، فتقول الملائكة[7]: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [8]. ويقولون: [1] تقدم تخريجه برقم (15) . [2] سورة البقرة آية: 165. [3] سورة البقرة آية: 165. [4] سورة البقرة آية: 165. [5] سورة الفجر آية: 25-26. [6] سورة البقرة آية: 166. [7] قال العماد ابن كثير في تفسير سورة القصص: ((وقوله تعالى: (وقال الذين حق عليهم القول) يعني الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر (ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) فشهدوا عليهم أنهم أغووهم، ثم تبرأوا من عبادتهم)) اهـ. والدعاة إلى الكفر: هم من بني آدم ممن كانوا رؤساء وشيوخا لأولئك الغاوين كأصحاب الطرق الصوفية، فإنهم الذين زينوا لمريديهم ومتبوعيهم الشرك والكفر بالله ورسوله. فإن أساس طرقهم الشيطانية: أن يعبد المريد شيخه بأنواع التعظيم والخوف واعتقاد أنه جاسوس قلبه يدخل ويخرج والمريد لا يشعر. وأنه قبل أن يذكر الله يستحضر الشيخ في قلبه. ويعظمونهم بأنواع الطاعة العمياء أحياء وأمواتا- كما هو مدون في كتبهم- من شروط المريد وما يسمونه العهد الوثيق. وتجد أكثر هذا الكفر والضلال في كتب الشعراني. وأما آيات سورة الأحقاف فإنها صريحة في أن الذين يكفرون بشرك المشركين: هم من عباد الله الصالحين الذين اتخذهم الناس آلهة بعد موتهم, واتخذوا قبورهم أوثانا، وما كانوا يحبون ذلك ولا يرضون به; من أمثال الحسين وإخوته وأبيه وأبنائهم، والإمام الشافعي في مصر، وأبي حنيفة وعبد القادر في بغداد ونحوهم, فإنهم يتبرأون يوم القيامة من أولئك المشركين. [8] سورة القصص آية: 63.