ثم ذلك المحرم للحلال والمحلل للحرام إن كان مجتهدا قصده اتباع الرسل لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقى الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه بل يثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه. ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول، فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله، لا سيما إن اتبع ذلك هواه ونصره باليد واللسان، مع علمه أنه مخالف للرسول، فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه. ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال. وإن كان عاجزا عن إظهار الحق الذي يعلمه. فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه، وهؤلاء كالنجاشي وغيره. وقد أنزل الله في هؤلاء الآيات من كتابه كقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [1]. وقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [2] الآية. وقوله: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [3]. وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزا عن معرفة الحق على التقصيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله: من الاجتهاد في التقليد، فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ كما في القبلة.
وأما من قلد شخصا دون نظيره بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق؟ فهذا من أهل الجاهلية، وإن كان متبوعه مصيبا لم يكن عمله صالحا، وإن كان متبوعه مخطئا كان آثما. كمن قال في القرآن برأيه، فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار. وهؤلاء من جنس مانع الزكاة الذي تقدم فيه الوعيد، ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ فإن ذلك لما أحب المال منعه من عبادة الله وطاعته وصار عبدا له، وكذلك هؤلاء فيكون فيهم شرك أصغر، ولهم من الوعيد بحسب ذلك. وفي الحديث: "إن يسير الرياء شرك" وهذا مبسوط عند النصوص التي فيها إطلاق الكفر والشرك على كثير من الذنوب"[4]. انتهى.
وقال أبو جعفر ابن جرير في معنى قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً} 5 "أي وتجعلون لمن خلق ذلك أندادا وهم الأكفاء من الرجال تطيعونهم في معاصي الله". انتهى.
قلت: كما هوالواقع من كثير من عباد القبور.
قال: وقوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [6] الآية. [1] سورة آل عمران آية: 199. [2] سورة المائدة آية: 83. [3] سورة الأعراف آية: 159. [4] صحيح. جزء من حديث طويل رواه ابن ماجة: كتاب الفتن (3989) : باب من ترجى له السلامة من الفتن. وإسناده ضعيف كما في الصحيحة (4/185) . وأخرجه الحاكم (1/4) من طريق آخر وقال: صحيح لا علة له ووافقه الذهبي. وهو كما قالا وراجع النهج السديد ص (329) .
5 سورة فصلت آية: 9. [6] سورة البقرة آية: 165.