وروى البخاري في الآية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ناس من الجن كانوا يعبدون فأسلموا. وفي رواية: " كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم "[1].
وقول ابن مسعود هذا يدل على أن الوسيلة هي الإسلام، وهو كذلك على كلا القولين.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 2
وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال: "عيسى وأمه وعزير". وقال مغيرة عن إبراهيم: كان ابن عباس يقول في هذه الآية: "هم عيسى وعزير والشمس والقمر". وقال مجاهد: "عيسى وعزير والملائكة".
وقوله: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [3] لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فكل داع دعا دعاء عبادة أو استغاثة لا بد له من ذلك: فإما أن يكون خائفا وإما أن يكون راجيا، وإما أن يجتمع فيه الوصفان.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في هذه الآية، لما ذكر أقوال المفسرين: "وهذه الأقوال كلها حق؛ فإن الآية تعم من كان معبوده عابدا لله، سواء كان من الملائكة أو من الجن أو من البشر. والسلف في تفسيرهم يذكرون جنس المراد بالآية على نوع التمثيل، كما يقول الترجمان لمن سأله: ما معنى الخبز؟ فيريه رغيفا. فيقول: هذا. فالإشارة إلى نوعه لا إلى عينه، وليس مرادهم بذلك تخصيص نوع من شمول الآية. فالآية خطاب لكل من دعا من دون الله مدعوا، وذلك المدعو يبتغي إلى الله الوسيلة ويرجو رحمته ويخاف عذابه، فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين سواء كان بلفظ الاستغاثة أو غيرها فقد تناولته هذه الآية، كما تتناول من دعا الملائكة والجن; فقد نهى الله تعالى من دعائهم، وبين أنهم لا يملكون كشف الضر عن الداعين ولا تحويله، ولا يرفعونه بالكلية ولا يحولونه من موضع إلى موضع، كتغيير صفته أو قدره، ولهذا قال: {وَلا تَحْوِيلا} فذكر نكرة تعم أنواع التحويل. فكل من دعا ميتا أو غائبا من الأنبياء والصالحين أو دعا الملائكة، فقد دعا من لا يغيثه ولا يملك كشف الضر عنه ولا تحويله" اهـ.
وفي هذه الآية رد على من يدعو صالحا ويقول: أنا لا أشرك بالله شيئا، الشرك عبادة الأصنام.
قال: وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} [1] أما الرواية الأولى فهي في البخاري: كتاب التفسير (4715) : باب (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) . وأما الرواية الثانية: ففي البخاري: كتاب التفسير (4714) : باب "قل ادعوا الذين زعمتم من دونه".
2 سورة الزخرف آية: 26-27-28. [3] سورة الإسراء آية: 57.