اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 355
أن السيد لو أكره عبده على فعل وألجأه إليه ثم عاقبه عليه لكان قبيحاً؛ فأعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، كيف يجبر العبد على فعل لا يكون للعبد فيه صنع ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته بل ولا هو فعله البتة، ثم يعاقب عليه عقوبة الأبد؟ تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً.
وقول هؤلاء شر من أقوال المجوس، والطائفتان ما قدروا الله حق قدره.
وكذلك ما قدّره من لم يصنه عن بئر ولا حشٍ ولا مكان يرغب عن ذكره، بل جعله في كل مكان وصانه عن عرشه أن يكون مستوياً عليه، يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، وتعرج الملائكة والروح إليه وتنزل من عنده، ويدبرّ الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه، فصانه عن استوائه على سرير الملك[1]، ثم جعله في كل مكان يأنف الإنسان بل غيره من الحيوان أن يكون فيه.
وما قدره حق قدره من نفى حقيقة محبته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته، ولا من نفى حقيقة حكمته التي هي الغايات المحمودة المقصودة بفعله، ولا من نفى حقيقة فعله ولم يجعل له فعلاً اختيارياً يقوم به، بل أفعاله مفعولات منفصلة عنه، فنفى حقيقة محبته وإتيانه واستوائه على عرشه، وتكليمه موسى عليه السلام من جانب الطور، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده بنفسه، إلى غير ذلك من أفعاله وأوصاف كماله التي نفوها وزعموا أنهم بنفيها قدروا الله حق قدره.
وكذلك لم يقدره حق قدره من جعل له صاحبة وولداً، وجعله يحل في مخلوقاته وجعله عين هذا الوجود.
وكذلك لم يقدره حق قدره من قال إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته وأهمل ذكرهم وجعل فيهم الملك والخلافة والعفو، ووضع أولياء رسوله وأهانهم وأذلهم، وضرب عليهم الذلة أينما ثقفوا، وهذا يتضمن غاية القدح في الرب- [1] هذه اللفظة لا يصح إطلاقها هكذا، والواجب إثبات صفة الاستواء دون زيادة أو نقص في الألفاظ؛ فنقول كما قال ربنا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 355