اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 330
بقبره الشريف وهو سيد القبور حين ضاقت منهم الصدور؟
كلا؛ لا يمكن لهم ذلك، وإن الذي كان بعكس ما هنالك، فلقد أثنى الله عليهم ورضي عنهم، فقال عز من قائل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [1] مبيناً لنا أن هذه الاستغاثة أخص الدعاء وأجلى أحوال الالتجاء، وهي من لوازم السائل المضطر، الذي يضطر إلى طلب الغوث من غيره، فيخص نداءه لدى استغاثته بمزيد الإحسان في سره وجهره، شفي استغاثته بغيره تعالى عند كربته تعطيل لتوحيد معاملته.
فإن قلت: إن للمستغاث بهم قدرة كسبية وتسببية، فتنسب الإغاثة إليهم بهذا المعنى.
قلنا له: إن كلامنا فيمن يستغاث به عند إلمام مالا يقدر عليه إلا الله، أو لسؤال ما لا يعطيه ويمنعه إلا الله. وأما فيما عدى ذلك مما يجري فيه التعاون والتعاضد بين الناس واستغاثة بعضهم ببعض فهذا شيء لا نقول به، ونعد منعه جنوناً كما نعد إباحة ما قبله شركاً وضلالاً. وكون العبد له قدرة كسبية لا يخرج بها عن مشيئة رب البرية لا يستغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يستعان به، ولا يتوكل عليه، ولا يلتجأ في ذلك إليه، فلا يقال لأحد- حي أو ميت، قريب أو بعيد-: ارزقني أو أمتني، أو أحي ميتي، أو اشفِ مريضي، إلى غير ذلك مما هو من الأفعال الخاصة بالواحد الأحد، الفرد الصمد. بل يقال لمن له قدرة كسبية قد جرت العادة بحصولها ممن أهله الله لها، أعنّي في حمل متاعبي أو غير ذلك.
والقرآن ناطق بخطر الدعاء عن كل أحد لا من الأحياء ولا من الأموات، سواء كانوا أنبياء أو صالحين أو غيرهم، وسواء كان الدعاء بلفظ الاستغاثة أو بغيرها، فإن الأمور الغير مقدورة للعباد لا تطلب إلا من خالق القدر، ومنشىء البشر، كيف والدعاء عبادة وهي مختصة به سبحانه؟ أسبل الله علينا بفضله عفوه [1] سورة الأنفال: 9.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 330