اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 312
قلت: ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة، وهو في "الموطأ" إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم فهو يحكي مذهبهم، وتارة يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا يصير إلى الإجماع القديم، وتارة لا يذكر. ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة يجب على جميع الأمة اتباعها- وإن خالفت النصوص- لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها، وبالإجماع.
وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وإنما جمعت علم أهل بلدي أو كما قال.
وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة علم بذلك أن قولهم أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأياً، وأنه تارة يكون حجة قاطعة، وتارة حجة قوية، وتارة مرجحاً للدليل، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين. ومعلوم أن من كان بالمدينة من الصحابة هم خيار الصحابة إذ لم يخرج منها أحد قبل الفتنة إلا وأقام بها من هو أفضل منه، فإنه لما فتح الشام والعراق غيرهما أرسل عمر بن الخطاب إلى الأمصار من يعلمهم الكتاب والسنّة، فذهب إلى العراق عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، وعمران بن حصين، وسلمان الفارسي وغيرهم. وذهب إلى الشام معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وبلال بن رباح وأمثالهم. وبقي عنده مثل عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف، ومثل أبي بن كعب، ومحمد بن مسلمة، وزيد بن ثابت وغيرهم. وكان ابن مسعود وهو أعلم من كان بالعراق من الصحابة يفتي بالفتيا، ثم يأتي المدينة فيسأل علماء أهل المدينة فيردونه عن قوله فيرجع، كما جرى في مسألة أمهات النساء لما ظن ابن مسعود أن الشرط فيها وفي الربيبة، وأنه إذا طلق امرأته قبل الدخول حلت أمها كما تحل ابنتها، فلما جاء إلى المدينة وسأل عن ذلك أخبره علماء الصحابة أن الشرط في الربيبة دون الأمهات فرجع إلى قولهم، وأمر الرجل بفراق امرأته بعدما حلت.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 312