من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين، وفي هذا الوقت ظهر البدع ظهوراً فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيراً شديداً ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن وظهر قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يفشوا الكذب" ظهوراً بيناً حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات والله المستعان قوله: "ثم الذين يلونهم" أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون "ثم الذين يلونهم" وهم أتباع التابعين، واقتضى أن تكون الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من أتباع التابعين لكن هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث وإلى الثاني نحا الجمهور والأول قول ابن عبد البر1 والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره أو أنفق من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائناً من كان وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث والأصل في ذلك قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية.
ثم استرسل الحافظ في ذكر أدلة ابن عبد البر على أن الأفضلية بالنسبة إلى المجموع لا إلى الأفراد مع ذكر ما يرد عليها من الاعتراضات ومن الأدلة التي ذكرها ما يلي:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره" وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة2 ... وأجاب عنه النووي بما حاصله: أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير
1ـ وقول ابن عبد البر ليس على إطلاقه في حق جميع الصحابة فإنه استثنى أهل بدر والحديبية انظر: فتح الباري 7/7.
2ـ سنن الترمذي 4/229، المسند 3/143