الجنازة، والأجزاء فى العتق، ونحو ذلك وبين أن يقول عن أحد إنه مؤمن، فى موضع الشهادة له بتحقيق الإيمان، واستكمال صفات المؤمنين، ولهذا أراد النبى صلى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص حين قال له: "يا رسول الله، مالك عن فلان؟ [1] فوالله إنى لأراه مؤمنا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أو مسلما"، ثلاث مرات" [2] .
ومن المعلوم أن هذه الجارية ليست معدودة فى السابقين ولا من أفاضل الصحابة المشهود لهم بالإيمان، بل غاية ما دل عليه الحديث أنها مسلمة لا أكثر وهو الحكم الظاهر الذي يستحقه كل من أظهر الإيمان.
وقد دلت على هذا المعنى الروايات والأحاديث الأخرى فى هذه الجارية، أو جارية مثلها، فقد جاء الحديث عن أبى هريرة، والشريد بن سويد الثقفي، ورجل من الأنصار مبهم [3] ، وفى كل منها يسأله السائل قائلا إن علي - أو على أمى - عتق رقبة مؤمنة، ويستفتى النبى صلى الله عليه وسلم أهذه الجارية مؤمنة فيعتقها، أم أنها لا تجزئ؟ فيستجوبها النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: "أعتقها فإنها مؤمنة، أو أعتقها فقط، أى أنها تجزئ فى العتق.
ولهذا قال الإمام أحمد رضى الله عنه فى جواب هذا الحديث: ليس كل أحد يقول فيه: فإنها مؤمنة، يقولون: أعتقها.
قال: ومالك سمع من هذا الشيخ هلال بن على الدين لا يقول: فإنها مؤمنة، وقد قال بعضهم: فإنها مؤمنة، فهى حين تقر بذلك فحكمها حكم المؤمنة، هذا معناه [4] .
وقد علق الشيخ المحدث الألباني على كلام الإمام أحمد هذا، بأن الزيادة صحيحة فلا وجه للتردد فيها [5] ، وهذا صحيح، لكن مراد الإمام أحمد ليس تضعيف الرواية، وإنما هو إثبات خطأ المرجئة في الاستدلال بالحديث من جهتين:
أ- أن بعض الروايات ليس فيها القول بأنها مؤمنة، وهى رواية مالك - وهو من هو فى الحفظ والإتقان - وقد حصل بها الجواب كاملا، فالسائل سأل أتجزئ [1] أى لماذا لم تعطه كما أعطيت غيره؟ [2] البخارى كتاب الإيمان (1/79) . [3] حديث أبى هريرة فى المسند (2/291) ، وحديث الشريد فى المسند (4/388، 389) ، والنسائى (6/252) وأخرجهما أبو داود فى موضع واحد مع حديث معاوية بن الحكم (3/587- 589) ، وحديث الرجل المبهم فى المسند (3/451) ، وسيأتى نصه. [4] الخلال، لوحة 97. [5] انظر تعليقه على كتاب "الإيمان" لابن تيمية، ص 243.