ذلك أن الخلل ليس في العمل والسلوك بل تعداه إلى العقيدة ذاتها، فانحسرت مفهوماتها، وانحصرت مدلولاتها، ونسيت المهمة التي جاء الدين من أجلها وقام عليها، ودرس الإسلام كما يدرس الثوب الخلق حتى لم يبق منه في أكثر البقاع وعند أكثر الناس إلا اسمه، ولم يبق من القرآن إلا رسمه.
وليس أمام " الغرباء " الذين يريدون القيام مقام " الأنبياء " بهداية الناس للحق، ويمثلون " الطائفة المنصورة " الناجية التي كتب الله أن تظل على الحق لا يضرها من خالفها - ليس أمامهم من خيار في البدء بتصحيح العقيدة، وتجلية مفهوماتها من خلال هاتين الحقيقتين، ثم البيان العلمي الواضح لأصول الدين وحقائقه.
وقد دل استقراء نصوص الكتاب والسنة أن هذا الدين يقوم على أصلين:
1- ألا يعبد إلا الله (بالمعنى الشرعي الكامل للعبادة) .
2- وألا يعبد الله إلا بما شرع [1] .
هذا في حقيقته وذاته، أما أسلوبه العلمي ومنهجه الدعوي (وهو الجانب الذي يهمنا الآن) فقد تضمنته آية الحديد السابقة، التي جعلها شيخ الإسلام ابن تيميه محور كتابه القيم "السياسة الشرعية". قال في مقدمته:
"الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوي عزيز، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأيده بالسلطان النصير الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة، ومعنى القدرة والسيف والنصرة والتعزيز" [2] .
وقال في خاتمته: "إن قوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى ـ أي في آية الحديد السابقة - فعلى كل أحد الاجتهاد في اتفاق القرآن والحديد لله تعالى ولطلب ما عنده " [3] . [1] انظر: العبودية، ص 170، المكتب الإسلامي، ومواضع كثيرة من كتب شيخ الإسلام. [2] مجموع الفتاوى (28/24) . [3] المصدر السابق (28/396) . ومثله في بدائع الفوائد (2/15) .