كما جاء التعبير عن رفض دعوة الرسل وعبادة غير الله - مهما تباعدت الأجيال وتنوعت المعبودات - بأنه عبادة للشيطان «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» [1] .
وكذلك جاء وصف أعداء الرسالات من البشر موحداً كذلك وهو " الملأ " المستكبرون أصحاب السلطان والمال وذلك في آي كثير.
وموجز دعوة الرسل جميعاً أنها دعوة واحدة إلى منهج " التوحيد " بكل فروعه وأنواعه وموالاة أهله، وما يستلزمه ذلك من نبذ الشرك بكل صورة وألوانه، ومعاداة أهله.
وغاية دعوتهم هي مصلحة العالمين أنفسهم، لكي تقوم حياتهم بالقسط في الدنيا وينعموا برضا الله وجنته في الآخرة «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» [2] .
ومن هنا ارتبطت دعوتهم بالجهد والعمل، وارتبط كتابهم بالسيف والحديد.
إن حقيقة المعركة التي خاضها الأنبياء مع أممهم، والسنة الثابتة في دعوتهم، لا تتجلى إلا لمن عرف حقيقتين مهمتين ينبغي لمن أراد الانضمام لموكبهم الكريم وركبهم الناجي أن يجعل معرفتهما منطلقاً لدعوته وأساساً لمنهجه:
1- طبيعة الدين كما أنزله الله وأراده أن يتحقق في واقع الأرض.
2- طبيعة الجاهلية التي نزل لإبطالها وحربها.
والآن وقد دار الزمان دورة ثالثة حتى أوشك أن يعود كهيئته يوم أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم (حيث تردى الإنسان المعاصر إلا قليلاً في عين ما وقع فيه قوم نوح والعرب من شرك في التقرب والنسك، وفي الطاعة والتشريع) أصبح لزاماً على أولي البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض تجلية هذه الحقائق عن الدين، قبل الدخول في أية تفصيلات أو مناقشات مع الفرق المخالفة أو مع المتلوثين بهذا الشرك الجديد، فالتوحيد هو أول واجب على العبد وأول موضوع للدعوة [3] . [1] [يس:60،61] [2] [الأنبياء: 107] [3] هذا هو الحق الذي لا مرية فيه والذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة. أما الرد على مزاعم المتكلمين قديماً من أن أول واجب هو النظر أو القصد إلى النظر أو الشك. ومنهج بعض المعاصرين الذين يقتصرون على الدعوة إلى تشريعات الإسلام الاقتصادية والاجتماعية من غير بيان علاقتها بأصل التوحيد - فهذا ما ندعو الله أن ييسر لنا إخراجه قريباً.