أهل البدع ينفون كل هذه المعاني، كما ينفون حقيقة نزوله واستوائه، ينفون كذلك حقيقة الفرح والضحك والعجب، وينفون اليدين والعينين والوجه والقدم، ينفون ذلك كله؛ لأن مبدأهم أن إثبات الصفات يستلزم التجسيم، ويستلزم التشبيه وما أشبه ذلك.
أما إن كانت نصوص قرآنية لا يمكن أن يدفعوها بعدم الثبوت، لكن يقفون منها -كما تقدم- أحد موقفين: إما التفويض بأن يجروها ألفاظا من غير فهم لمعناها، ومن غير تدبر، زاعمين أنها لا تدل على شيء، أو التأويل بحملها على معان بعيدة.
أما الأحاديث فالأمر عندهم فيها أوسع، فإنها -كما ذكرت- إن كانت آحاد قالوا: هذه آحاد، ودفعوها من أول الأمر دون أن ينظروا فيها، دون أن يحكموا على ما فيها بتفويض أو تأويل، لا يحتاجون، يدفعونها، يردونها، وإن كانت متواترة وقفوا منها موقفهم مما جاء في القرآن.
كالجهمية والمعتزلة، بل وكذلك الأشاعرة، هذه الطوائف يتفقون على نفي هذه الصفات التي دلت عليها السنة الصحيحة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما نفوا كثيرا، كما نفوا ما جاء في القرآن.
فبالنسبة للفرح والضحك يمكن أن يفسروه بالرضا، ثم الرضا له تفسير معروف، تفسير الرضا عند نفاة الصفات إرادة الإحسان، أو نفس الإحسان، بما يخلقه الله من النعم. والغضب هو إرادة الانتقام، أو هو نفس الانتقام بما يخلقه الله من العقوبة.
أما الرِّجل والقدم، فالذين يؤولون يقولون: إن المراد جماعة من أهل النار، أن جهنم لا تزال يلقى فيها حتى يلقي الله عليها جماعة من أهل النار وفوج كثير حتى يغطيها ويملأها بها "رِجل".
وهذا خلاف ما فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وخلاف ما يدل عليه السياق، ثم إن الرواية الأخرى -يعني- توضح وتدفع هذا التحريف، وفي رواية " عليها قدمه ".