وابن عساكر مع أنه جَاءَ بقطعة كبيرة جداً من الإبانة ضمن الكتاب هذا؛ لكنه استدرك في ترجمة الأشعري ابتداءً من صفحة (333) من الكتاب الذي حققه الكوثري يقول في معنى كلامه: فإن قيل إن غاية ما مدح به الأشعري ومن اتبعه أنه متكلم، وقد ورد في ذم علم الكلام ما هو معلوم عند السلف فكيف توفقون بين هذا وهذا؟ فأورد الإشكال وأراد أن يحله، لكنه لم يستطع.
فنقل عن الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وعن غيره ما ذموا به الكلام وأهله ثُمَّ حل المشكلة فقَالَ: (إن ما ذَمَّ به الشَّافِعِيّ وغيره من العلماء علم الكلام إنما هو علم الكلام البدعي وأما ما اشتغل به الأشعري ومن اتبعه فإنه علم الكلام السني) ، فهل هذا الكلام صحيح؟
لو نظرنا ودققنا فإنه ما دام أنه علم كلام فهو مذموم، واستدل بأن الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- الذي أورد هذا الذم لعلم الكلام نقد حفصاً الفرد وغيره، وذكر بعض النصوص التي نقلها عن طريق الخطيب البغدادي وغيره أن الشَّافِعِيّ ناظر وجادل أهل البدع. وكما قال المصنف: هنا لا يكره السلف الصالح ولا يمنعون الدلالة عَلَى الحق ولا المحاجة لأهل الباطل.
فكتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيه المحاجة للمشركين وفيه المحاجة لليهود وللمنافقين، وفيه أيضاً بيان ومنهج في محاجة أصحاب المعاصي الذين يغفلون عن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويرتكبون ما حرم الله، فنجد أن في القُرْآن ما ينير لنا الطريق ويدلنا كيف نجادل جميع أنواع المنحرفين حتى قال عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- حبر الأمة وترجمان القُرْآن (ما من شبهة إِلَى أن تقوم الساعة إلا وجوابها في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- علمها من علمها وجهلها من جهلها) ففيه الهدى الكامل والشفاء الكامل، والجواب الكامل عن كل شبهة.