في الخارج، بخلاف الماهية التي في الذهن فإنها مغايرة للموجود في الخارج، وأن اللفظ "الوجود" كلفظ: "الذات"، و"الشيء" و"الحقيقة" ونحو ذلك، وهذه الألفاظ كلها متواطئة، وإذا قيل: إنها مشكِّكة، لتفاضل معانيها، فالمشكك نوع من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك، سواء كان المعنى متفاضلاً في موارده، أو متماثلاً.
وبيَّنا أن المعدوم شيء أيضاً في العلم والذهن، لا في الخارج، فلا فرق بين الثبوت والوجود، لكن الفرق ثابت بين الوجود العلمي والعيني، مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة الموجودة، ولكن هو العلم التابع للمعالم القائم به.
وكذلك الأحوال التي تتماثل فيها الموجودات وتختلف، لها وجود في الأذهان، وليس في الأعيان إلا الأعيان الموجودة، وصفاتها القائمة بها المعيَّنة، فتتشابه بذلك وتختلف به.
وأما هذه الجمل المختصرة فإن المقصود بها التنبيه على جمل مختصرة جامعة، من فهمها عَلِمَ قدر نفعها، وانفتح له باب الهدى، وإمكان إغلاق باب الضلال، ثم بسطها وشرحها له مقام آخر، إذ لكل مقام مقال.
والمقصود هنا أن الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفى عن الرب، وينزَّه عنه ـ كما يفعله كثير من المصنفين ـ خطأٌ لمن تدبَّر ذلك، وهذا من طرق النفي الباطلة.
فصل
وأفسد من ذلك ما يسلكه نفاة الصفاة أو بعضها، إذا أرادوا أن ينزهوه عما يجب تنزيهه عنه مما هو من أعظم الكفر، مثل أن يريدوا تنزيهه عن الحزن والبكاء ونحو ذلك، ويريدون الرد على اليهود الذين يقولون: إنه بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة، والذين يقولون بإلهية بعض البشر، وأنه الله.