تنزيه الرب عنها ليس من لوازم ذلك أصلاً، بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوق من وجود وحياة وعلم ونحو ذلك، والله سبحانه وتعالى منزّه عن خصائص المخلوق وملزومات خصائصه.
وهذا الموضع من فهمه فهماً جيداً، وتدبره، زالت عنه عامة الشبهات، وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام، وقد بسط هذا في مواضع كثيرة، وبُيِّن فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج إلا معيّناً مقيداً، وأن معنى اشتراك الموجودات في أمر من الأمور هو تشابهها من ذلك الوجه، وأن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا، لا أن الموجودات في الخارج يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه، بل كل موجود متميّز عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله.
ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس يتناقض في هذا المقام، فتارة يظن أن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه الباطل، فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات لمن احتج به من النفاة.
ولكثرة الاشتباه في هذه المقام وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته، أو زائد على ماهيته؛ وهل لفظ "الوجود" مقول بالاشتراك اللفظي، أو بالتواطؤ، أو التشكيك، كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها، وفي أن المعدوم هل هو شيء أم لا؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا؟
وقد كثر من أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات، فتارة يقول أحدهم القولين المتناقضين، ويحكي عن الناس مقالات ما قالوها، وتارة يبقى في الشك والتحيُّز، وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات، وما وقع من الاشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة ما لا تتسع له هذه الجمل المختصرة.
وبيَّنا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته الموجودة