اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 83
عليها قبل حدوثها) [1]؛ إذ لو كانت قديمة لما جاز عدمها، وذلك أن (القديم) [2] لا يجوز عدمه[3].
وإن كان هذا على ما قلنا وجب أن يكون ما عليه الأجسام من التغير منتهياً إلى هيئات محدثة لم تكن[4] الأجسام قبلها موجودة، بل كانت قبلها محدثة، ويدل ترتيب ذلك على محدث قادر حكيم من قبل أن ذلك لا يجوز أن يقع بالاتفاق[5] فيتم من غير مرتب له، ولا قاصد إلى ما وجد منه فيها [1] ما بين المعقوفتين هنا مخالف لما في (ت) ولفظه هناك: "وكونه قديماً ينفي تلك الهيئة التي كان عليها قبل حدوثها". [2] في الأصل: "العدم" والتصحيح من (ت) . [3] يقيم الأشعري هنا دليلاً عقلياً على وجود الله سبحانه وتعالى، وهذا الدليل يسمى عند المتكلمين "بطريق الوجود"، ويقولون فيه: إن العقل ليقتضي بضرورة إثبات وجود موجِد لهذا الكون سابق وجوده عليه. وذلك أن كل موجود متغير، وكل متغير حادث، وكل حادث لابد له من موجِد أحدث وجوده.
فإذا نظر الإنسان بتأمل فيما حوله من الكائنات أدرك وأيقن بالمشاهدة أن هذه الموجودات لابد لها من موجد أحدث وجودها وما فيها من تغير، وقد توسع المتكلمون في ذكر هذا الدليل وتقريره، وذكره ابن تيمية عنهم وذكر ما فيه من حق وما عليه من قصور، حيث إنه لا يتعدى إلى إثبات توحيد الألوهية بعد إثباته للربوبية. (انظر: مجموع الفتاوى ج2/7- 25) .
ورغم أننا لا نوافق الفلاسفة والمتكلمين عموماً إلا أن القرآن الكريم وجه الإنسان إلى النظر في الموجودات بتأمل وتدبر ليعلم من حالها ضرورة افتقارها إلى خالق لها، مدبر أمرها، هو الله تعالى ثم ينتقل من ذلك كله إلى إفراد الله بالعبادة والوحدانية، لأنه هو المقصود من الاستدلال.
ولقد سلك المتكلمون لإثبات وجود الله طرقاً متعددة حصرها صاحب المواقف في أربع طرق. (انظر: المواقف للإيجي ص266) .
ويقول "خليل هراس" عنهم: "إن المتقدمون منهم بنوا رأيهم في إثبات الله تعالى على حدوث العالم ذهاباً منهم إلى أن الحدوث هو العلة المحوجة إلى المؤثر، وأنه إذا ثبت أن العالم حادث كان لابد من محدث يخرجه من حيز العدم إلى حيز الوجود، ويقول المتكلمون: إن هذه قضية بديهية، ويوافقهم ابن تيمية على ذلك، إلا أنه لا يسلم لهم طريقتهم في إثبات حدوث العالم". (انظر: كتابه ابن تيمية السلفي ص70، 71) . [4] في (ت) "لم يكن". [5] في (ت) "إلا باتفاق"، والاتفاق هنا معناه المصادفة، تقول وافقت فلاناً في موضع كذا أي: صادفته، (انظر: لسان العرب 10/382) .
والأشعري هنا يرد على الملاحدة الذين ينكرون وجود الله، ويقولون بأن العالم وجد عن طريق الصدفة، ولو تأمل هؤلاء في أنفسهم، وفي آثار القدرة والحكمة التي أوجدتهم لأيقنت قلوبهم بالقاهر المدبر القادر الحكيم ولكن على القلوب أقفالها!!
وما سبق ذكره وما سيأتي من كلام الأشعري يقيم الحجة على هؤلاء الكافرين ولكني هنا أنقل بعض الاعترافات التي ذكرها بعض علماء العصر الحديث من الكافرين، لأقيم الحجة بها على أنفسهم أولاً، وعلى أمثالهم من الكفرة ثانياً.
يقول "إسحاق نيوتن" العالم الإنجليزي ومكتشف قانون الجاذبية: "لا تشكوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قائدة هذا الوجود" (نقلاً من كتاب العقائد للشيخ حسن البنا ص54) .
ويقول "أينشتين" أكبر عالم كوني في الأعصار الحديثة: "إن ما يراه في الكون يدفع إلى إيمان عميق بوجود قدرة مهيمنة تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للأفهام"، ثم يقول: "ذلك هو فهمي لمعنى الألوهية" (نقلاً باختصار من مقال للشيخ محمد الغزالي في مجلة الأمة بعنوان "رحلة من العلم إلى الإيمان") .
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب "الله يتجلى في عصر العلم".
ومع هذا فإن هذا الإيمان لا ينفعهم حتى يعبدوا الله وحده ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار". رواه مسلم في كتاب الإيمان باب 170/134، وأحمد في المسند 2/317.
اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 83