اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 81
عن ربهم تعالى بالآيات الباهرة والمعجزات القاهرة[1]، ويوضح لهم سائر ما تعبدهم الله عز وجل (به) [2] من شريعته[3].
وأنه عليه السلام دعا جماعتهم إلى الله، ونبههم على حدوثهم[4] بما فيهم من اختلاف الصور والهيئات وغير ذلك من اختلاف اللغات، وكشف لهم عن طريق معرفة الفاعل لهم بما فيهم وفي غيرهم، بما يقتضي وجوده[5] يدل على إرادته وتدبيره6؛ [1] جعل الأشعري آيات الأنبياء دليلاً على صدقهم، ويعني بذلك أنه إذا أتى بالمعجزة فقد ثبت صدقه، وإذا ثبت صدقه وجب اتباعه.
ويقول شارح الطحاوية: "… ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح، لكن دليل غير محصور في المعجزات" (انظر: ص89) . [2] ما بين المعقوفتين من (ت) . [3] ذكرت سابقاً الهدف من إرسال الرسل وهو التوحيد. ويتبع ذلك توضيح الشريعة وبيانها ليوحد الله بالعبادة من خلال ما شرع وأمر، وأسوتنا وقدوتنا في ذلك رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} سورة الحشر آية 7. [4] في الأصل، و (ت) : "حدثهم"، والصواب ما أثبته. [5] أشار القرآن الكريم إلى أن العالم حادث، بمعنى أنه خلق ووجد بعد أن لم يكن. قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} .
وقد ذكر الأشعري إجماع السلف على ذلك، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
والأشعري هنا يستدل على حدوث الإنسان بالتغير الواقع فيه ليصل بذلك إلى وجود محدِثه وهو الله تعالى.
والواقع أن الأشعري في هذه النقطة خالف المنهج الصحيح لاستدلاله بالصور والهيئات التي هي عبارة عن الأعراض التي تأتي على الإنسان، وهذا مسلك الفلاسفة والمتكلمين، وهو ما أخذه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وذكره أنه سار خلف طريقة المتكلمين في رسالته هذه. (انظر: مجموع الفتاوى 16/386، والنبوات ص49، ودرء تعارض العقل والنقل 7/228) .
كما أن الأشعري استدل على حدوث الإنسان، ولم يستدل بحدوثه على وجود الله تعالى، وهناك فرق بين الأمرين، والصواب الاستدلال بحدوثه لا على حدوثه، وقد ذكر ذلك ابن تيمية فقال: "إن الاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية دل القرآن عليها وهدى الناس إليها وبينها، وأرشد إليها، فإن الإنسان هو المستدل وهو الدليل والبرهان. قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} . (انظر: النبوات ص48، وانظر تعليق ابن تيمية على ما ذكره من رسالة الأشعري هذه في درء تعارض العقل والنقل 7/219- 224) .
ومع هذا فالأشعري ذكر في هذه الرسالة نفسها أن طريقة الاستدلال بالأعراض غير واضحة، وهي مسلك أهل البدع ومن اتبعهم.
وقد أيده في ذلك القول ابن تيمية وذكر ذلك عنه. (انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/10، والموافقة 1/24، 25) .
وقد خالف في حدوث العالم الفلاسفة الملاحدة، وقالوا: إن العالم قديم، وفصل الغزالي مذهبهم في كتابه تهافت الفلاسفة، وذكر أنهم استقروا على القول بقدمه، وأنه لم يزل موجوداً مع الله تعالى ومعلولاً له. (انظر: تهافت الفلاسفة ص76، وما بعدها من الطبعة الثانية) .
ويعلل ابن تيمية هذا القول من الفلاسفة فيقول: "وإنما يعظم على الجهال من المتفلسفة وأمثالهم وأشباههم تقرير حدوث العالم وتغيره لأنهم لم يقدروا الله حق قدره". (انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/145) .
6 ينص الأشعري على خلق الله للعالم بإرادته وتدبيره، وفي ذلك دفع لكلام الفلاسفة القائلين بأن العالم صدر عن الله صدور المعلول عن العلة كصدور شعاع الشمس من الشمس، ولهم في ذلك كلام يطول عرضه هنا. (انظر: كتاب تهافت الفلاسفة ص120) .
اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 81