ومعرفة الله التي سلف ذكرها المقصود بها توحيده سبحانه وتعالى أول ما يجب على العبد كما علم من الأدلة السابقة.
ولا شك أن هذه الفطرة مستقرة في النفوس وما يطرأ عليها مما يحدثه شياطين الجن والإنس هو الذي يزيغ بها عن جادة الحق، ومهما بلغ الإنسان في الطغيان والكفر والعناد تبقى هذه الفطرة لا يستطيع القضاء عليها مهما كابر في ذلك، وتظل دلائلها تظهر وهو يشعر أو لا يشعر، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [1] وفرعون أعظم طاغية في البشر أنكر وجود الله، ودعا الناس إلى عبادته، وهدد موسى عليه السلام أن اتخذ إلها غيره، قال له موسى عليه السلام كما قص الله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [2].
ثم قال وهو في أحضان الموج وقد أدركه الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [3]. [1] الآية 14 من سورة النمل. [2] الآية 102 من سورة الإسراء. [3] الآية 90 من سورة يونس.