بالمسلمين صخرة صلبة لا تلين، لذا سارعت أكثر القبائل بالطاعة، وانضوت تحت لواء الدين الحنيف، وخاصة بعد هزيمة هوازن وثقيف، وبد أن أرهبوا جيوش الروم في تبوك، وأظهروا قوة الإسلام في كل مكان، وجاء العام التاسع، وخرج أبو بكر رضي الله عنه يحج بالناس، وحول البيت الذي تحطمت الأصنام من حوله، اجتمع المؤمنون والمشركون: للمؤمنين شعائرهم، وللمشركين عاداتهم وقبائحهم وضلالهم، ومثل هذا التناقض يأباه الإسلام، ولابد أن يضع له حدا، بعد أن علت راية الإيمان، لذلك كان لابد أن يمنع المشركين من دخول بيت الله الحرام، وأن يعلن عليهم الحرب الدائمة، حتى يستسلموا لأمر الله، إذا لا يؤمن لهم جانب ولا يبقى لهم عهد"[1].
وبعد هذا فقد آن الأوان للبراءة العامة من الشرك وأهله وإعلان ذلك على الناس جميعا، فبعد عودته صلى الله عليه وسلم من عزوة تبوك همَّ بالحج وذكر حضور المشركين الحج بما هم عليه من شرك وضلال فبعث أبابكر الصديق على الحج.
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير الآيات الأولى من سورة التوبة وهي قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {الكَافِرِينَ} [2] قال: "وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] د. عبد الفتاح عاشور، منهج القرآن في تربية المجتمع ص 640. [2] الآيتان 1، 2 من سورة التوبة.