والضيق أقساه، فصبروا على ذلك، وسلط الله على صحيفة قريش الأرضة فأكلتها، وسعى بعضهم لفك هذا الحصار، وخرج رسول الله وأصحابه أكثر صبرا وأقوى عزيمة على نشر هذه العقيدة والجهاد في سبيلها[1].
إلى غير ذلك من أنواع الأذى المستمر المتواصل الذي لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في سبيل دعوة التوحيد في تلك الفترة وفي ذلك المجتمع المعاند المكابر الذي صار يلاحق هذه الدعوة وأهلها ويشوه سمعتها وسمعة أهلها بين الناس، لما رأوا خطرها على أصنامهم وأوثانهم، وما قدموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عروض مادية وغيرها في سبيل صده عن دعوته وما عرضوا من مصالحة يريدون عقدها معه صلى الله عليه وسلم حين يئسوا من قبوله أو التغلب عليه، فلم يجدوا لكل ذلك طريقا ولا مكانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فضاعفوا من عداوتهم ومكرهم وعنادهم، فوصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بأنه شاعر، ومرة بأنه ساحر، وكاهن، وتناقضوا في ذلك واضطربوا وأذوا أصحابه أشد الأذى مما لا يتسع المقام لذكره[2].
واستمر الحال على ذلك طيلة تلك الفترة المكية التي بلغت ثلاثة عشر عاما حتى أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالهجرة إلى المدينة، فكانت [1] انظر: دلائل النبوة للحافظ الأصبهاني ص 349، 349، وص 356-367. [2] انظر: السيرة لابن هشام 1/420 وما بعدها.