فهذه الأحاديث تدل دلالة لا تقبل الشك على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، وهذا من عظيم نعمة الله عز وجل على عباده المؤمنين يوم القيامة.
أما ما استدل به من نفى الرؤية من قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فغير صحيح، فالله تعالى قال: {لَنْ تَرَانِي} ولم يقل لا أرى، أو لا تجوز رؤيتي، ثم لو كانت الرؤية غير ممكنة لما سألها موسى عليه السلام، وهو العالم بربه سبحانه، ولذلك لم ينكر عليه ربه سبحانه سؤاله، ولو كان باطلاً لأنكر عليه كما أنكر على نوح عليه السلام سؤاله في ابنه، وإنما بيَّن لموسى عليه السلام عدم قدرته على تحمل رؤيته تعالى في الدنيا، وعلق الرؤية بالجبل الذي لم يتحمل ذلك مع قوته، فكيف بموسى وهو البشر الضعيف أمام ربه تعالى، وإذا كانت الرؤية تجوز للجماد فهي للإنسان المؤمن أولى.
و"لن" لا تدل على تأبيد النفي في الدنيا والآخرة، فإن الله عز وجل قال عن الكفار {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} [1]، ثم قال عنهم في الآخرة: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [2].
قال ابن مالك:
ومن رأى النفي بلن مؤبداً ... فقوله أردد وسواه فاعضدا3 [1] الآية (95) من سورة البقرة. [2] الآية (77) من سورة الزخرف.
3 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 189 – 194، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 2/ 240 وما بعدها.