ومسمع كثير من الناس الذين جمعهم لشهود هذه المناظرة التي كان جازماً أنها لصالحه، وكان يتمنى لو أن ما فعله السحرة تم بإذنه، أو بعيداً عن أعين الناس، كما يفهم ذلك من قوله: {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} .
ثم اتهم السحرة بالاتفاق مع موسى عليه السلام على ما حدث، وهو أمر مرفوض، إذ لم يكن موسى على معرفة ولا صلة بهم، إنما هذه التهم من فرعون حين أسقط في يده بإسلام السحرة، فمرة يعتب عليهم أنهم آمنوا قبل إذنه، ومرة يتهمهم بتآمرهم مع موسى عليه السلام، ثم يرجع إلى تهديده ووعيده، كل ذلك ليخفف على نفسه وقع الهزيمة المرة، ووقع المصيبة العظيمة، كما هو شأن الطغاة، إذا تكشف باطلهم وانفضح طغيانهم[1].
وكان إيمان السحرة مدعاة لافتضاح فرعون، لأنهم كانوا علماء لهم مكانتهم، فكان لإيمانهم ضجة كبرى، أحدثت في حاشية فرعون هزة عنيفة، وزلزالاً كبيراً {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [2]، [3]. [1] انظر: البداية والنهاية 1/ 239 – 240، وكتاب دعوة الرسل لمحمد أحمد العدوي ص 186. [2] الآيات من (53 – 56) من سورة الشعراء. [3] محمد بن أحمد العدوي – دعوة الرسل ص 257 – 258.