وترك ما أوجب الله تعالى عليه لأجلها.
ومن ادعى ما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان قال الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]
ثم إنه قال وما أجلسه في بلده إلا حماية لنفسه وماله وولده.
فالجواب أن نقول هذا هو الحذر الأكبر والذنب الأعظم الذي ثبت الوعيد عليه في آية براءة فلو كان لهذا فقه أو معرفة لما اعتذر عن نفسه بأشياء لم يعذر الله بها أحدا من خلقه لفو أحب الله على ما سواه لما آثر محبة النفس والمال والولد عليه.
وقد ثبت في رواية أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فمنهم من يتعلق به أهله وولده يقولون: ننشدك بالله ألا تضيعنا. فيرق عليهم ويدع الهجرة فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [1] إذا عرفت ذلك فلا يخفى أن أهل نجد في هذه الحادثة صاروا أصنافا.
فالصنف الأول: دخلوا تحت حكم هذه الآية لما ابتلوا بالعدو أخلدوا إلى الأرض ورضوا بالمقام معهم وتحت أمرهم فتركوا ما وجب عليهم من الفرار بدينهم ومفارقة عدوهم إيثارا لدنياهم وأحبوا المقام وداهنوا أولئك الأقوام وخدموهم وأعانوهم وتقربوا إليهم بما لم يحبه الله ولا يرضاه بلا قسر ولا إكراه:
الصنف الثاني: وهم أشد نقضوا عهد الإسلام واستجلبوا العدو إلى الأوطان وآووهم وظاهروهم ونصروهم ونابذوا المسلمين المهاجرين بالشتم والسب وألبوا العدو عليهم وصارت مسبة من هاجر هي ديدنهم[2] وسفهوا المسلمين واستصلحوا بزعمهم حالهم ظنا منهم أنه لا طاقة لأحد بهذا أو أن أمرهم سيستقر في جميع البلاد النجدية فضل سعيهم وخابت آمالهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون: [1] ذكره الواحدي في أسباب النزول 164.
2 "ط": دينهم.