تصدوا لهم بأنواع الأذى وذلك لأنهم أعلم الأمة بالحنيفية وأعلمهم[1] بالتوحيد كما قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]
ثم إنه قال في رسالة فمن شرح بالكفر صدره وارتد وطابت نفسه بالكفر فهو الكافر:
فالجواب أن يقال تعداده هذه الثلاث تدل على جهلة بنواقض الإسلام لأن كل واحدة من هذه الثلاث يكفر صاحبها وبين هذه الثلاث تلازم فمن شرح صدرا فقد ارتد وطالبت نفسه بالكفر ومن طابت نفسه بالكفر فقد ارتد وشرح بالكفر صدرا فحظ هذا الرجل التنطع بالكلام من غير تصور للمعنى:
ثم إن آخر هذه الآية يرشد إلى أن الذي أوقعهم في انشراح الصدر بالكفر هو إيثار الدنيا على الآخرة فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل:107] فإذا استحب الوطن أو المال أو الأزواج أو العشيرة أو المساكن أو التجارة أو غير ذلك من أمور الدنيا وترك لأجل ذلك ما وجب عليه من الهجرة والجهاد فقد تناوله هذا الوعيد كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا[2] حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] .
قال المفسرون في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف:176] أي: مال إلى الدنيا وزهرتها وآثرها على طاعة الله ومرضاته.3
فإذا كان هذا هو الواقع من هؤلاء فما هذا القلب الذي اطمأن بالإيمان مع وجود ما ينافي ذلك من إيثار الدنيا والطمأنينة إليها والرغبة فيها
1 "ط": واعلم.
2 "ط": إلى آخر الآية.
3 ينظر تفسير الحافظ بن كثير 3/510.