قريبة وفيها القبائل‘ والفرار بالدين واجب فأين الإكراه؟!
هذا وقد حصل منه من الإقبال والإدبار والتصدر والافتخار [15\أ] ما هو معلوم عند من يعرف هذا الشخص بالاضطرار فأين حال هذا وأمثاله من حال عمار؟!
رضي الله عن عمار؛ فإنه تبرا من المشركين وسبهم‘ وسب دينهم ومعبوداتهم‘فلذلك تصدروا له ولأهله بالعداوة الشديدة وما ثم قرية ولا قبيلة على الإسلام فجعلوا يضربون أشد الضرب ويعذبونه أشد العذاب وحبسوه في بئر ميمون وقتلوا أباه وأمه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم يقول: "صبروا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" ومع هذا وغيره لم يقع منه إلا القول دون الفعل‘ وأنتم سارعتم بلا إكراه‘ وقلتم وفعلتم تقربا إليهم واختيارا من غير أن يكون منهم طلب لما فعلتموه فما طلبوا منكم ذلك ولا امتنعتم ولا أكرهتم عليه فأين أنتم وعمار فهو وأنتم في طرفي نقض شعر:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
وفي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا قال: فجلس محمرا وجهه ثم قال: "والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن دينه ويقعد الرجل فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنين ما يصرفه عن دبه" الحديث:
وبعد ما وقع بعمار وأهله من المشركين ما قوع أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة؛ لما اشتد بهم أذى المشركين‘ فهاجروا وفيهم عمار رضي الله عنه‘ ثم إنه رجع هو وبعض المهاجرين فهاجروا إلى المدين وفي تلك الأحوال: