لقمة من الميتة إذا اضطر إليها قد أبيحت له في تلك الحال لأن الأكل واحب صيانة للنفس عن الهلاك طاعة لله مطلوب لما يفضي إليه ذلك من التقوي على أداء الفرائض والطاعات.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: ومن المحرمات ما يباح عند الضرورة كالدم والميتة فهذه في حال الإباحة ليست محرمة أضلا وليس له أن يعقد تحريمها حينئذ وإنما تنازع العلماء هل السبب الحاظر لها موجود وقت الضرورة وأبيحت للمعارض الراجع أو السبب الحاظر زائل وهذا مبني على مسألة تخصيص العلة فمن قال إن العلة تخصيص يقول: إن علة الحظر قائمة ولكن تخلف حكمها المانع ومن قال: إن علة التحريم لا توجد مع عدم التحريم والنزاع لفظي.
وقال رحمه الله تعالى: فإن الأكل والشرب وأحب حتى لو اضطر إلى الميتة وجب عليه الأكل عند عامة العلماء لأن العبادات[1] لا تؤدى إلا بهذ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. انتهى.
قلت: وهذا موجود في الهجرة وأولى لأن العبادات[2] لا تؤدى إلا بها ولا يقوم الدين والعمل به إلا بالهجرة فبالهجرة يحفظ المرء دينه ويتمكن من العمل به ويعادي ويوالي فيه وغير ذلك من المصالح الدينية التي تفوت [الحصر] فلو احتجنا إلى القياس لكان هذا من القياس الأولى عكس ما عند صاحب الورق فإن ضرورة العبد إلى الهجرة فوق كل ضرورته ولو كان فيها تلف النفس والمال والعبد[3] مضطر إليها عند الحاجة إليها أعظم من ضرورته إلى الطعام والشراب.
ثم اعلم أنه من كبير جهله أنه[4] أخذ يقيس ما وجب فعله على فعل ما يجب فعله فقاس الترك على الفعل وقاس المحرم على الواجب وهذا أفسد شيء وأبعده عن القياس فالعكس والحالة هذه أشبه بالقياس صورة ومعنى فتأمله فإنه يطلعك على جهل هذا الرجل
1 "ط": العبادة. [2] إضافة من "ط".
3 "ط": فالعبد.
4 "ط": أنه. ساقطة.