وأما الربوبية فقد أقر بها أكثر المشركين من الأمم أعداء الرسل وهذا مبين في قصص الأنبياء كما في سورة الأعراف وهود والشعراء وغير ذلك.
والخصومة بينهم وبين الأمم إنما هي فيما بعثوا به إليهم: من النهي عن الشرك في العبادة كالمحبة والدعاء والتوكل والرجاء وغير ذلك وعن الشرك في الطاعة وهو إيثار ما عليه الأسلاف والاعتماد على ما قالوه مما يخالف شرع الله وأحكامه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار" روه البخاري[1] ولمسلم عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" [2].
قال شيخنا رحمه الله: تعالى: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا اله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع[3].
وكلام العلماء في بيان هذا التوحيد وتقريره وبيان ما وقع فيه الأكثر من الشرك وعبادة الأوثان أكثر أن يحصى ونذكر طرفا منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: في الرسالة السنية لما ذكر الخوارج ومروقهم من الدين فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من انتسب إلى الإسلام ومرق منه مع عبادته العظيمة فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام في هذا الأزمان قد يمرق أيضا وذلك بأسباب منها: الغلو الذي ذمه الله في كتابه حيث قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة:77] الآية وعلي رضي الله عنه حرق الغالية فأمر بأخاديد خدت لهم عند باب كندة فقذفهم فيها واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتلهم وكذلك الغلو [1] البخاري في الصحيح رقم 6683,4497,1238 وأخرجه أحمد في المسند 1/464,462,425,374 [2] مسلم في الصحيح رقم 23. [3] كتاب التوحيد الباب الخامس المسألة الخامسة 26 "القسم الأول بمجموعة المؤلفات العقيدة".