وعظمت؛ حتى طعن أهلها في أهل الحديث ورموهم بالحشو والتجسيم.
ارجع في ذلك إن شئت إلى كتاب «الغُنْيَة» ؛ تجد بها ما ذكرته لك. وليس عندهم مما ذهبوا إليه شيء يصلح للاستدلال من كتاب أو سنة حتى يُنظَر فيه؛ بل محض تقليد أعمى أو اتباع لآراء سلفهم من غير دليل كما وصفنا؛ فقد بنوا أقوالهم على قول السبكي: «تُزار القبور للتبرك بأهلها» ؛ فهو وإن كان لم يقل ما قالوا بل وافق أبا محمد المالكيّ في قوله: «إنَّ قصد الانتفاع بقبر الميت بدعة إلا قبور الأنبياء» ؛ أقره بقوله: «صحيح» ، ولكن رمى فيها كلمة هي كانت سبب ضلال المضلين وهلاك الهالكين؛ أعني قوله عقب ذلك: «وإن كان فيما قاله نظر» ؛ فالمتأخرون ذهبوا يبينون هذا النظر، وزادوا عليه ما بيناه سابقًا.
فهكذا شأن البدعة؛ تظهر صغيرة ثم تربو وتنمو حتى يُقَيض لها الله من يجتثها من أصولها؛ فهذا السبكي قد سَنَّ للناس سُنَّة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء ـ كما جاء في الحديث ـ.
فصل
وهذه ليست بأول مصيبة أُصيب بها الإسلام والمسلمون بسبب تقليد الأحياء للميتين؛ فكم آية من القرآن بسبب التقليد قد تركت، وسنة لآراء الرجال قد رُدَّت وهُجرت! وقبور من دون الله قد عُبدت! وآراء على القرآن والسنة قد رُفعت! وممالك للمسلمين في يد العدو قد سقطت! ودماء بين المسلمين قد سُفكت! ورجال للعلم قد أُهينت وسجنت بل قتلت! فإلى الله المشتكى من هذه المصيبة التي كادت