عرضك وعقوبتك!
وهذا يكفيك ـ إن كان لك فطرة سليمة، وفكرة مستقيمة ـ! فانظر كيف خصّوا بعض علماء المسلمين واقتدوا بهم في مسائل الدّين، ورفضوا الباقين، بل جاوزوا هذا إلى أنّ الإجماع ينعقد بأربعة من علماء هذه الأُمّة، وأنّ الحُجّة قائمة بهم! مع أنّ في عصر كلّ واحد منهم مَن هو أكثر علمًا منه، فضلًا عن العصر المتقدّم على عصره والعصر المتأخّر عن عصره؛ وهذا يعرفه كلّ من يعرف أحوال الناس. ثم تجاوزوا في ذلك إلى أنّه: لا اجتهاد لغيرهم؛ بل هل مقصور عليهم؛ فكأنّ هذه الشّريعة كانت لهم لا حظّ لغيرهم فيها، ولم يتفضل الله على عباده بما تفضّل عليهم، وكل [عالم] عاقل يعلم أنّ هذه المزايا التي جعلوها لهؤلاء الأئمّة ـ رحمهم الله تعالى ـ إن كانت باعتبار كثرة علمهم وزيادته على علم غيرهم؛ فهذا مدفوع عند كلّ مَن له اطّلاع على أحوالهم وأحوال غيرهم؛ فكيف بمَن لم يكن من أتباعهم من المعاصرين لهم والمتقدّمين عليهم والمتأخّرين عنهم؟!
[وإن كانت تلك المزايا بكثرة الورع والعبادة؛ فالأمر كما تقدّم؛ فإنّ في معاصريهم والمتقدّمين عليهم والمتأخّرين عنهم] مَن هو أكثر عبادة وورعًا منهم؛ لا ينكر هذا إلَّا مَن لم يعرف تراجم الناس بكتب التّواريخ.
[وإن كانت تلك المزايا بتقدّم عصورهم؛ فالصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتّابعون أقدم منهم عصرًا بلا خلاف، وهم أحقّ بهذه المزايا ممّن بعدهم؛ لحديث: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» ] .
وإن كانت تلك المزايا لأمر عقليّ؛ فما هو؟ أو لأمر شرعي؛ فأين هو؟ ولا ننكر أنّ الله قد جعلهم بمحلّ من العلم والورع وصلابة الدِّين، وأنّهم من أهل السّبق في