فدع عنك الكتابةَ لستَ منها ... ولو سوّدتَ وجهكَ بالمدادِ
وأمّا قوله: «وبفرض صحّته؛ فهو على حدّ قوله ـ تعالى ـ: {وما رميتَ إذ رميتَ ولكنّ الله رمى} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أنا حملتُكم؛ ولكنّ الله حملكم» » ؛ وهذا من نوادر جهل هؤلاء الضّلّال؛ فإنّ لفظ (الاستغاثة) : طلب الغوث ممّن هو بيده لمن أصابته شدّة ووقع في كرب، والأنجح والأولى لمن أصابه ذلك أن يستغيث بمَن يجيب المضطرّ إذا دعاه، الموصوف بأنّه غياث المستغيثين، مجيب المضطرّين، أرحم الرّاحمين؛ فلفظ (الاستغاثة) يستعمل في مخّ العبادة، وما لا يقدر عليه إلَّا الله عالم الغيب والشّهادة. فكَرِه صلى الله عليه وسلم إطلاقَه عليه فيما يستطيعه ويقدر عليه؛ حماية لحمى التّوحيد، وسدًّا لذريعة الشّرك، وإن كان يجوز إطلاقه فيما يقدر عليه المخلوق؛ فحماية جانب التّوحيد من مقاصد الرّسول، ومن قواعد هذه الشّريعة المطهّرة؛ فأين هذا من قوله: {وما رميتَ إذ رميتَ ولكنّ الله رمى} ؛ فإنّ (الرّمي) المنفيّ: هو إيصال ما رمى به إلى أعين المشركين جملتهم وهزيمتهم بذلك، و (الرّمي) المثبت: ما فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم من رمي ما أخذ بكفّه الشّريفة من التّراب واستقبال وجوه العدوّ به.
وأمّا قوله: «وكثيرًا ما تجيء السُّنّة بنحو هذا من بيان حقيقة العلم، ويجيء القرآن من إضافة الفعل إلى مكتسبه؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحد الجنّة بعمله» ، مع قوله ـ تعالى ـ: {ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون} » ؛ فالأمر ليس كما توهّمه العراقيّ؛ فإنّ (الباء) في الحديث: باء المعاوضة والمبادلة، و [ (الباء) في الآية] : هي بابء السّببيّة، لا باء المعاوضة؛ فالمنفي غير