يوضّح هذا: أنّ العابد معظّم لمعبوده متألّه له، خاضع ذليل له، والرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ وحده هو الذي يستحقّ كمال التّعظيم والإجلال والتّألّه والخضوع والذّلّ، وهذا في خالص حقّه، فمن أقبح الظّلم أن يعطي حقّه لغيره، ويشرك بينه وبينه فيه، ولا سيّما إذا كان الذي جُعل شريكه في حقّه هو عبده ومملوكه؛ كما قال ـ تعالى ـ: {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} ؛ أي: إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه؛ كيف تجعلون لي [من] عبيدي شركاء فيما أنا منفرد به ـ وهو الإلهيّة التي لا تنبغي لغيري، ولا تصحّ لسواي ـ؛ فمَن زعم ذلك؛ فما قدرني حقّ قدري، ولا عظّمني حقّ تعظيمي، ولا أفردني بما أنا منفرد به وحدي دون خلقي.
فما قدر الله حقّ قدره مَن عبد معه غيره؛ كما قال ـ تعالى ـ: {وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسّموات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون} ؛ فما قدر مَن هذا شأنه وعظمته حقّ قدره مَن أشرك معه في عبادته مَن ليس له شيء من ذلك ألبتة؛ بل هو أعجز شيء وأضعفه؛ فما قدر القويّ العزيز حقّ قدره مَن أشرك الضّعيف الذّليل، وكذلك ما قدره حقّ قدره مَن قال: إنّه لم يرسل إلى خلقه رسولًا ولا أنزل كتابًا؛ بل نسبه إلى ما لا يليق به ولا يحسن منه؛ من إهمال خلقه وتركهم سدى وخلقهم باطلًا عبثًا، ولا قدره حقّ قدره مَن نفى حقائق أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ فنفى سمعه وبصره وإرادته واختياره، وعلوّه فوق خلقه، وكلامه وتكليمه لمَن شاء من خلقه بما