عليها جميعًا، وننقضها واحد ة واحدة؛ لنستغني بذلك عن إبطال الفرع؛ لأنه متى بطل الأصل بطل الفرع؛ فهو وإن كان الإمام الحافظ ابن عبد الهادي أبطل هذه الأصول في أول الباب الخامس؛ فكان يحسن بنا أن نكتفي بما قاله، ولكن رأينا من الصواب أن نخوض مع هذا الخصم الذي تارة يجعل نفسه مجتهدًا، وتارة يجعل نفسه مقلدًا، وإذا تأملتَ في هذه الجمل التي نقلناها عنه في هذا الباب؛ رأيتَ فيها من الخلل والتناقض والتحامل واتباع الهوى ما يعلمه كل منصف، ولو صح له من هذه الأصول شيء؛ لما أحوجنا إلى ذكر شيء معه، ولكن أنى يسلم له ذلك؛ ومبانيها كلها مختلَّة ـ كما ستراه إن شاء الله تعالى ـ، ومن الله التوفيق.
فصل
في الكلام على الأصل الأول؛ وهو: الآية الكريمة ـ أعني: قوله ـ تعالى ـ: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} الآية ـ
قبل الخوض في تفسير هذه الآية: نسأل هذا الخصم: هل هو من المجتهدين أو من المقلدين؟ فإن كان من الأول؛ فقد خالف ما عليه أصحابه؛ فإنهم قد أجمعوا على سدِّ باب الاجتهاد، واختلفوا: متى سدّ؟ فقال بعضهم: ليس لأحدٍ بعد الأئمة الأربعة أن يستدلَّ على أي حكم من الأحكام بالكتابو السنة، وبعضهم قال: إنَّ باب الاجتهاد قد انسدَّ بعد المائة الخامسة، ولهم في ذلك عبارات مختلفة. ومعلوم أن الخصم كان في المائة الثامنة؛ فعلى كل قول ما أدرك زمان فتح باب الاجتهاد!
وإن كان يقول: أنا لا أسلم أنَّ باب الاجتهاد قد انسدَّ؛ بل هو باقٍ إلى يقوم القيامة؛ فنقول له: هذا مسلَّم، ولكنكم قد شرطتم للمجتهد شروطًا؛ منها: أن يكون عالمًا بمسائل الإجماع لئلا يخرقه، وكيف أنت خرقت هذا الإجماع بتفسيرك للآية بهذا التفسير الذي ما سبقك إليه أحد، لا من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم؟! فهذه التفاسير التي جمعت أقوال السلف وغيرهم ليس فيها هذا الذي فهمته من الآية.
وإن كان من الثاني؛ فنقول له: أوجِد لنا هذا الذي قلَّدته في فهم الآية، ولِمَ لَم