تُشْرِكُونَ ... إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ... » الأنعام: 75 - 80.
فكان يحاج قومه بما هداه الله إليه بنظره.
فإن قيل: لو كانت تلك الثلاث قبل النبوة لذكر معها قوله: هذا ربي، فإن هذه أشد.
قلت: قد ذكر في بعض الروايات لكن قيل إنه خطأ من الرواي. وعلى هذا فقد يقال إنما تذكر تلك الكلمة لأنها كانت في الطفولة فيما قاله بعض أهل العلم وتلك الثلاث كانت بعد البلوغ. وفي هذا نظر، فإن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» يعم الطفولة. وقد يقال: إنما لم يذكرها لأن إبراهيم لم يرد بها الإخبار، وإنما أراد الاستفهام الإنكاري. وهذا القول حكاه ابن جرير عن بعض أهل النظر، ورده، وروي عن ابن عباس ما ينص على أن الكلام على الإخبار وأن إبراهيم فعل ما يوافق ذلك، ولم يذكر عن أحد من السلف خلافه، ومع هذا فمن مال إلى هذا التأويل من أهل النظر
وجّهوه بأن إبراهيم أراد في نفسه الاستفهام، وأراد في الظاهر إيهام قومه أنه موافق لهم ليكون ذلك أقرب إلى جرهم إلى الحق، وعلى هذا فهذه الكلمة أشد من تلك الثلاث، والحديث السابق يأبى ذلك كما مر.
فإن قيل: أفليس الأنبياء معصومين عن الكفر مطلقاً؟
قلت: ليس هذا بكفر في حكم الشرع، فإن إبراهيم عليه السلام قال ذلك قبل أن تعرض عليه، فضلاً عن أن تقوم عليه حجة بنظر ولا غيره وهو حريص على معرفة الحق، باذل وسعه في تحصيلها، صادق العزم على اتباع الحق على كل حال، ليس في نفسه شائبة هوى في غير الحق، فإن كان ذلك في الطفولة كان الأمر أوضح.