انتفاء ركن ضروري عنه كما لا يخفى، وقوله: «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» لا يقتضي أن الإيمان كله هو الذي يكون في القلب، ألا ترى أنه يصح أن يقال: لم يدخل الإسلام في قلب فلان.. أو: لم يدخل الدين في قلب فلان. مع الاتفاق أن الإسلام والدين لا يختص بما في القلب.
وأما ما في حديث جبريل: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ... » فقد أجاب عنه البخاري في «كتاب الإيمان» من (صحيحه) قال: «باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة، وبيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: «جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم» ، فجعل ذلك كله ديناً وما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوفد عبد القيس من الإيمان وقوله تعالى: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» » .
وقصة وفد عبد القيس التي أشار إليها هي في (الصحيحين) أيضاً وقد وردها فيما بعد فأخرج من طريق ابن عباس في قصة محاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم « ... فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، , قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ... » فقد يقال: الإيمان في حديث جبريل منحوٌّ به المعنى اللغوي لا المعنى الشرعي، ويؤيد ذلك أن السائل في حديث جبريل كان في الظاهر كما يعلم من الروايات أعرابياً لم يجتمع قبل ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما أبتدأ فقال: ما الإيمان؟ كان الظاهر أنه إنما يريد بالإيمان ما يعرفه في اللغة، فإذا كان معناه في اللغة التصديق القلبي، فظاهر السؤال: ما الذي يطلب في الدين التصديق القلبي به؟ . وأما في قصة عبد القيس، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ابتدأ فأمرهم بالإيمان ثم فسره لهم، فكان المعنى الشرعي للإيمان هو ما جاء في قصة عبد القيس.