فاحتمال الامتناع العقلي كان منتفياً عندهم، فعلى فرض بطلان بعض تلك المعاني، يلزم أن تكون كذباً قطعاً حتى على زعم أن احتمال الامتناع العقلي قرينة.
فإن قيل: لم يكونوا ماهرين في المعقول فكان عليهم أن يشكروا في جزم عقولهم.
قلت: فعلى هذا لم يكن يلزمهم الإيمان البتة، بل على هذا لا يلزم أحداً الإيمان لأنه
مهما بلغ من المهارة فلا بد أن يكون فوق درجته ما هو أعلى منها، وأي باطل أبطل من هذا؟ وإنما الحق أن هناك قضايا فطرية يستوي في إدراكها العاقل والأعقل، وهناك قضايا يقع التفاوت فيها، ولكن يتفق أن يكون الرجل فيها أفضل من كثيرين كلهم أعقل منه، إما لأنه يسر له من المشاهدة والتجربة والملاحظة والوجدان ما لم ييسر لهم، وإما لأنهم عرضت لهم عوائق من الهوى والشبهات والاستكبار لم تعرض له.
فإن قيل: أما القضايا التي يثبت بها الشرع فكانت عند المخاطبين الأولين، بل هي عند جميع المكلفين إذا لم يعاندوا أو يقصروا بغاية الوضوح، فلم يكن عليهم أن يشكوا في جزم عقولهم بها، ولكنا ندعي أن القضايا التي توافق ظواهر النصوص التي ندعي بطلانها، لم تكن عندهم بغاية الوضوح، فكان عليهم أن يشكوا في جزم عقولهم بها فقط.
قلت: هذه دعوى باطلة فإن من تدبير وجد أن من القضايا التي تدعون بطلانها ما من شأنه أن يكون أوضح عندهم، من بعض القضايا التي يتوقف ثبوت الشرع على ثبوتها، ومنها ما يكون مثلها، ومنها ما قد يكون دومنها، ولكن كيف ترون عليهم أن يميزوا هذا التمييز الدقيق مع قولكم إنهم لم يكونوا ماهرين؟ وهب أنه كن يمكنهم ذلك أفلم يوجب الله عز وجل عليهم اتباع الشرع ويخبرهم بأنه «لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» ؟
أفلا يكون في موافقة الشرع لعقولهم على تلك القضايا ما يجبر ما عسى أن