ويتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه ويقال ... فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه ... » .
فالإنسان إذا رأى يوم القيامة إن الله عز وجل يقرره بعمله ولا يؤخذ بمجرد علمه تعالى يتوهم أن الإنكار ينفعه ثم لا يرضى بشهادة الملائكة ولا الرسل، فتشهد عليه أعضاؤه حينئذ يظهر له ولغيره عين اليقين الغاية القصوى في عدل الله تبارك تعالى، ومع ذلك يعترف بلسانه صريحاً عند دخوله النار قال الله تبارك وتعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً. حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ» الزمر: 71.
وقال تعالى في شأن جهنم: «كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك: 8 - 11. (1)
وهذه الحكمة إنما تستدعي إعادة الأجزاء التي تؤدي الشهادة وذلك عند أدائها فلا يلزم أن تعاد في كل بدن جميع أجزاءه ثم تبقى خالدة معه، بل إذا فرضنا أجزاء معينة قد دخلت في تركيب عدة أبدان في الدنيا على التتابع بأن كانت في هذا البدن، ثم صارت من ذاك البدن وهلم جرا، واقتضت الحكمة أن تؤدي الشهادة يوم القيامة في كل بدن من تلك الأبدان بما فعل، فإن ذلك يمكن بأن تحشر أولا
(1) ومن الحكم في البعث ما ذكره الله تعالى أنه تصديق لما أخبرت به رسله، وفضح وتوبيخ لمن كذب رسله كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُم) - إلى أن ذكر جزاء المؤمنين بها والمكذبين لها ثم قال - (ويرى الذين أو توا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراطٍ مستقيم) وقال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) . م ع