المقصد العاشر
قال السلفي: لا ريب أن ابن سينا في أمر الحشر أقوى من شبهته في شأن الاعتقاد في ذات الله تعالى وصفاته، فلو ساغ الكذب في شأن الاعتقاد لكان في شأن الحشر أسوغ لأن فحشه أخف، والحاجة إلى التشديد في الترغيب والترهيب ظاهرة، فألزمه للمتكلمين في محله، فأما السلفيون فلا سلطان له عليهم كما لا يخفى.
ومع أن شبهة ابن سينا داحضة لمعارضتها اليقين الضروري، ففيها خلل من جهات تعلم مما تقدم، ويختص بقضية حشر الأجساد أن العرب كانوا في جاهليتهم يعترفون بحياة الروح بعد موت الجسد، ويقولون: أن المقتول تبقى تنوح على قبره حتى يؤخذ بثأره كما هو معروف في أشعارهم، وقد جاء الكتاب والسنة بأشياء من حال الأرواح تصرح بحياتها منفصلة عن الجسد ولم ينكر ذلك أحد من المسلمين ولا المشركين، فقد كان من الممكن أن يوسع القول في تعميم الأرواح وعذابها بدون تعرض لما كان العرب ينكرونه من حشر الأجساد، بل لوكان المقصود إنما هو إجترارهم إلى قبول الشرع العملي لما ذكر لهم حشر الأجساد، فإنه من أشد ما صدهم عن الإسلام، قال الله عز وجل: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ» سبأ: 7 - 8.
وقال تعالى: «وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ. وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ. قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ. فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ» الصافات: 14 - 19.