أن الله عز وجل أعلى وأجل وأبعد عن مماثلة ما يرونه ويلمسونه وكانوا كغيرهم من الناس يعلمون أن الموجود القائم بنفسه حقيقة لا يمكن أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، ولا قريباً من غيره من الذوات ولا بعيد عنها، فكانوا يعتقدون أن الله تبارك وتعالى فوق عرشه الذي فوق سمواته.
ولم يكونوا إذا قيل لهم: يد الله، مثلاً ليفهموا من ذلك يداً كأيديهم،، فإنهم يعلمون أن المضاف يختلف باختلاف المضاف إليه، يقال: رأس جرادة، رأس حمامة، رأس إنسان، رأس حصان، فيختلف كما ترى، فما بالك بنحو «يد الله» مع ما قدمنا انهم كانوا يعلمون أنه تعالى ليس بإنسان ولا جني ولا ملك ولا مماثل لشيء من ذلك ولا لغيرها من مخلوقاته، وأنه أعلى وأجل وأكبر من ذلك كله، وأنهم كانوا يعتقدون وجود الجن والملئكة وأنها قد تكون بحضرتهم، لا يرونها ولا يسمعون كلامها ولا يدركون لها حساً ولا أثراً، ويعلمون أن الله تبارك وتعالى أعلى وأجل وأبعد عن مماثلة المحسوسات، والإنسان إذا كان يعرف المضاف إليه أو مثله أمكنه تصور المضاف تحقيقاً أو تقريباً يتأتى معه أن يقال: مثل، أو شبيه، ولم يبق هناك إلا إجمالي، فإذا كان المضاف إليه هو الله عز وجل لم يتصور من يده مثلاً إلا ما يليق بعظمته وجلاله وكبريائه، فلا يلزم من تلك المشاركة الإجمالية أن تكون يده مثل المخلوق ولا شبيهة بها بمقتضى لسان العرب الفطري، فإنه لا يطلق في مثل ذلك «ذاك شبيه بهذا» وقد سبق في أو اخر الكلام على قوله تعالى: «ليس كمثله شيء» ما ينبغي تذكره.
فينبغي استحضار هذا لئلا يتوهم أن العرب كانوا يعتقدون أن لله عز وجل يدين يدي إنسان أو مثلها أو يجوزون ذلك، أو فهموا ذلك من قول الله تعالى: «خلقته بيدي» وقس على هذا، فإن كان في بعض النصوص ما يوهم ظاهره المماثلة فعقول القوم كانت قريبة كافية لصرفه عن ذلك، إلا أن تكون مماثلة في مطلق أمر فهذه قد تقدم تحقيقاً في الكلام على قوله تعالى: «ليس كمثله شيء» .
قال السلفي: وليست جميع النصوص المتعلقة بالعقائد موافقة لما كان عليه