إليه كثيراً، فأما زيادة «الذي لا أحد فوقه» فتؤخذ في الآية من القصر الذي يقتضيه تعريف الجزئين. وهذا المعنى وإن كان كأنه أشهر في العربية فالمعنى الأول معروف فيها، والاشتقاق يساعد المعنيين، وفي (اللسان) : «قال أبو عمرو: الصمد من الرجال الذي لا يعطش ولا يجوع في الحرب وأنشد:
وسارية فوقها أسود ... بكفي سبتني ذفيف صمد
(السارية) الجبل المرتفع الذاهب في السماء كأنه عمود، والأسود العلم بكف رجل شجاع» .
أقول: وهذا على المبالغة أي كأنه لا جوف له فيجوع ويظمأ. وكفى دلالة على صحة المعنى الأول ثبوت القول به من أئمة التابعين، ثم هو الأوضح مناسبة للسياق وسبب النزول. وذهب بعض الأجلة [1] إلى تصحيح كلا المعنيين. وهذا إما مبني [1] كأنه يعني به شيخ الإسلام ابن تيمية في «تفسير سورة الإخلاص» له. وتصحيحه للمعاني الواردة على أئمة المفسرين من الصحابة والتابعين ليس من باب استعمال المشترك في معنيه أو معانيه ولا من باب التخيير الإباحي ولكنه رضي الله عنه صححها كلها لأنها متلازمة، ولك معنى منها وجه من وجوه معنى الصمد، فالسيد الذي كمل في سؤدده وعلمه وحلمه وحكمته وغناه هو الذي استغنى عن الطعام والشراب، وتعالى عن الجوف والبطن والمعدة والأمعاء.
وشيخ الإسلام يرى فيما نقل من أقوال السلف في التفسير أنها متلازمة متشابهة لا اختلاف فيها، وكثير منها بل أكثرها من باب التمثيل وتقريب المعنى، ويذكر وجه من وجوهه ونوع من انواعه، كما لوسألك أعجمي عن الخبز فأشرت إلى رغيف وقلت له هذا، وأشار إلى رغيف بشكل آخر، وقال: الخبز هذا، وأشار ثالث إلى فطير أو بقسماط أو بقلاوة، وقال: مثل هذا، فتجمع هذه التفاسير عند الأعجمي على معنى كلي أنه ما صنع من دقيق الحب، ولوتنوعت كيفيات الصناعة، فكلها خبز أو من نوع الخبز أو شبيه به وحينئذ فلا تعارض ولا تناقض. وكذلك إذا تأملنا تفاسير السلف للصمد وجدناها متلازمة يشرح بعضها بعضاً ويبني بعضها بعضاً تجتمع كلها على إثبات عظمة الله وتنزيهه عن النقائص. والله أعلم. م ع