سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ. بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» . المؤمنون 84 - 92.
الآيات في هذه المواضع وأمثالها مسوقة لإقامة الحجة على المشركين الذين يتخذون من دون الله تعالى وبغير سلطان منه أولياء يعبدونهم أي يخضعون لهم طلباً للنفع الغيبي، فالقرآن يبين أن مناط استحقاق العبادة أن يكون المعبود مالكاً للتدبير الغيبي مختاراً أن ينفع به ويضر كما يشاء لا على وجه الطاعة منه لمن هو أعلى منه، ولا مفتقراً إلى إذن خاص ممن هو أعلى منه، فإن هذا المالك هو الذي يكون خضوع من دونه له سبباً لأن ينفعه، وإعراضه عنه مظنة أن يضره، فحينئذ يحق لمن دونه أن يخضع له. فأما من ليس كذلك فلا يمكن أن ينال من دونه منه نفع ولا ضر. نعم إن الله عز وجل يأمر الملائكة بما يريد فيفعلونه ويأذن لهم في الشفاعة لمن يحب فيشفعون وهم كما قال تعالى: «عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وهم بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون» الأنبياء: 26 - 28.
فإذا أمرهم سبحانه بنفع عبد فعلوا ذلك طاعة لربهم فقط. وإذا أذن لهم في الشفاعة شفعوا رغبة في رضا ربهم، ولوفرض أنهم لم يشفعوا بعد الأذن فلم يأذن لهم ربهم إلا وقد ارتضى الأمر الذي أذن لهم أن يشفعوا فيه فهو كائن لا محالة وإن لم يشفعوا، وبهذا يتضح يقيناً أن سؤال العبد من الملائكة أو خضوعه لهم عبث من جهة وسبب لغضب الله عز وجل على السائل، فتغضب الملائكة لغضب ربهم من جهة أخرى. ولوكان الملائكة يتصرفون بأهو ائهم لأختلفوا، إذ قد يهوى هذا نصر أحد الجيشين المقتلين ويهوى الآخر نصر الجيش الآخر فيعمل كل منهما بحسب هواه، يبذل جهده في التصرف بكل ما يمكنه، هذا مع عظم قوة الملائكة وقدرتهم،