ذلك، وهل هذا إلا كما لو غزا جماعة إلى أرض بعيدة ثم عادوا بعد مدة دون واحد فسئلوا عنه فأخبروه بأنه قتل فحزن أهله ثم قسموا تركته واعتدت نساؤه وتزوجن إلى غير ذلك، ثم قدم رجل فزعم أنه رأى ذلك الذي قيل انه قتل، رآه بعد خبر القتل بمدة في الثغر حياً صحيحاً، فافرض أنه ذكر ذلك للمخبرين بالقتل فصدقوا هذا المخبر الأخير واعتذروا عن أخبارهم بالقتل بأنهم أرادوا بذاك الخبر خلاف ظاهره، فقيل لهم: فهلا نصبتم قرينة؟ فقالوا: كان الرجل حال خبرنا حياً صحيحاً سالماً وكفى بذلك قرينة! فهل يقبل منهم هذا العذر؟ أولا يرده عليهم العقلاء قائلين: ذاك لوكانت حياته وصحته وسلامته بحيث يدركها المخاطبون وهم أهله عند إخباركم لهم.
فأما وهم لا يعلمون ذلك ولا يدركونه لبعده عنهم بمراحل كثيرة فليس هذا بقرينة، إذ
ليس من شأن العلم به أن يقترن عند المخاطب بالخطاب فيصرفه عن فهم الظاهر [1] .
أما تلك الإشارات ففي المقصد الثالث أنها ليست بالبينة، فإذاً لا تصلح أن تكون صارفة عن معاني النصوص الكثيرة الظاهرة أو الصريحة الموافقة لعقول المخاطبين، بل يكون الأمر بالعكس وهو أن عقولهم وتلك النصوص الكثيرة تصرف عما قد يظهر من تلك الإشارات فإن كنت تزعم أن تلك الإشارات صريحة فنؤجل الكلام إلى المقصد الثالث.
المتكلم: إنما يصح الأخذ بظاهر الخبر إذا علم أن ذلك الأمر المخبر بوقوعه غير ممتنع عقلاً، فأما إذا احتمل أن يكون ممتنعاً عقلاً فإنه يجب التوقف، ويكون هذا الاحتمال قرينه تدافع ظاهر الخبر، فتوجب التوقف فيه. [1] وفي «صحيح مسلم» وغيره حديث «يمينك على ما يصدقك به صاحبك» وهذا صريح في أن إضمار المتكلم في نفسه معنى غير المعنى الذي حقه أن يفهمه المخاطب لا يغني عن المتكلم شياً إذا كان المعنى الذي حقه أن يفهمه المخاطب غير واقع. المؤلف