اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 100
فَإِن قيل إِنَّمَا تعد الأجيال من الجيل المعذب قُلْنَا هَذَا خلاف نَص توراتهم لِأَن نَصهَا الجيل الرَّابِع من الْأَبْنَاء وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لم يعذب أحد من أَوْلَاد يَعْقُوب بل كَانُوا مبرورين وهم الجيل الثَّالِث بِنَصّ توراتهم حرفا حرفا على مَا نورد بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّمَا ابْتَدَأَ التعذيب فِي أَبنَاء يَعْقُوب وهم الداخلون مَعَ آبَائِهِم وهم الجيل الرَّابِع فعد من حَيْثُ شِئْت لست تخرج من شرك الْكَذِب الفاضح وَفِي هَذَا كِفَايَة والكذبة الثَّانِيَة طامة من الطَّامَّات وَهِي قَوْله لإِبْرَاهِيم أَن نسلك سَيكون غَرِيبا فِي بلد لَيْسَ لَهُ ويستعبدونهم ويعذبونهم أَرْبَعمِائَة سنة وَبعد ذَلِك يخرجُون فَهَذِهِ سوءة وعار الدَّهْر لِأَنَّهُ إِذا عذب الأربعمائة سنة من وَقت بدإِ بتعذيب بني إِسْرَائِيل بِمصْر فَإِنَّمَا ذَلِك بعد موت يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أَن خرج بهم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام نصا إِذْ فِي سِيَاق توراتهم وَلما مَاتَ يُوسُف وَجمع إخْوَته وَذَلِكَ الجيل كُله كثر بَنو إِسْرَائِيل وتكاثروا وتفووا فملكوا الأَرْض وَولى عِنْد ذَلِك بِمصْر ملك جَدِيد لم يعرف يُوسُف فَقَالَ لأهل مَمْلَكَته إِن بني إِسْرَائِيل قد كَثُرُوا وصاروا أقوى منا فأذلوهم بَيْننَا لِئَلَّا يزدادوا كَثْرَة ويكونوا عوناً لمن رام محاورتنا فَقدم عَلَيْهِم أَصْحَاب صناعته لسخرتهم هَذَا نَص تورتهم شاهدة بِمَا قُلْنَا وَقد ذكر فِي توراتهم إِذْ ذكر من دخل مَعَ يَعْقُوب من وَلَده وَولد وَولد أَن قاهاث بن لاوي بن يَعْقُوب وَالِد عمرَان بن قاهاث وَهُوَ جد مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ مِمَّن ولد بِالشَّام وَدخل مصر مَعَ أَبِيه لاوي وجده يَعْقُوب وَذكر فِيهَا أَيْضا أَن جَمِيع عمر قاهاث الْمَذْكُور ابْن لاوي كَانَ مائَة سنة وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة وَأَن جَمِيع عمر عمرَان بن قاهاث الْمَذْكُور كَانَ مائَة سنة وَسبعا وَثَلَاثِينَ سنة وَذكر فِيهَا نصا أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذْ خرج ببني إِسْرَائِيل من مصر ابْن ثَمَانِينَ سنة هَذَا كُله نَص توراتهم حرفا بِحرف بِإِجْمَاع مِنْهُم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم فهبك أَن قاهاث كَانَ إِذْ دَخلهَا ابْن أقل من شهر وَأَن عمرَان ولد لَهُ سنة مَوته وَأَن مُوسَى ولد لعمران سنة مَوته فالمجتمع من هَذَا الْعدَد كُله ثَلَاثمِائَة سنة وَخَمْسُونَ سنة وَهَذِه كَانَت مدتهم بِمصْر من يَوْم دُخُولهَا إِلَى أَن خَرجُوا عَنْهَا على هَذَا الْحساب فَأَيْنَ الأربعمائة سنة فَكيف وَلَا بُد أَن يسْقط سنّ قاهاث إِذْ دخل مصر مَعَ أَبِيه لاوي الْمدَّة الَّتِي كَانَت من ولادَة عمرَان لقاهاث إِلَى موت قاهاث والمدة الَّتِي كَانَت من ولادَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى موت ابْنه عمرَان وَفِي كتب الْيَهُود أَن قاهاث دخل مصر وَله ثَلَاث سِنِين وَأَنه كَانَ إِذْ ولد لَهُ عمرَان ابْن سِتِّينَ سنة وَأَن عمرَان كَانَ إِذْ ولد لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ابْن ثَمَانِينَ سنة فعلى هَذَا لم يكن بَقَاء بني إِسْرَائِيل بِمصْر مذ دخلوها مَعَ يَعْقُوب إِلَى أَن خَرجُوا مِنْهَا مَعَ مُوسَى إِلَّا مِائَتي عَام وَسَبْعَة عشر عَاما فَأَيْنَ الأربعمائة عَام فَكيف وَلَا بُد أَن يسْقط من هَذَا الْعدَد الْأَخير مُدَّة حَيَاة يُوسُف مذ دخل إخْوَته وأبوهم وبنوهم مصر إِلَى أَن مَاتَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فطول هَذَا الأمد لم يَكُونُوا مستخدمين وَلَا معذبين وَلَا مستعبدين بل كَانُوا أعزاء مكرمين وَفِي نَص توراتهم أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذْ دخل على فِرْعَوْن ابْن ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ كَانَت سنو الْخطب سبع سِنِين وبدأت سنو الْجُوع ودخله يَعْقُوب ونسله مصر بعد سنتَيْن من سني الْجُوع فليوسف حِينَئِذٍ تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَفِي نَص توراتهم أَن يُوسُف كَانَ إِذْ مَاتَ ابْن مائَة سنة وَعشر سِنِين فصح أَن مدتهم مذ دخلُوا مصر إِلَى أَن مَاتَ يُوسُف عَلَيْهِ
اسم الکتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 100