اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط دار الجيل المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 106
وليست الذنوب مسقطة للعدالة إذا وقعت منها التوبة[120].
وقد قيل لعثمان: إنك وليت الوليد لأنه أخوك لأمك أروى بنت كريز [120] هذا حق، ولكن في مثل ما تقدم عن قدامة بن مظعون، وفي مثل ما هو مشهور عند الناس عن أبي محجن الثقفي الشاعر الفارسي الذي كان له يوم أغر في حرب القادسية، أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم الذي كان منه لأمته كل ما استطاعه من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلًا عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها غوارها. ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرنًا، فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه. أراد الوليد بن عقبة -منذ ولي الكوفة لأمير المؤمنين عثمان- أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس، كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامه للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته، الناشرين لرسالته، وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات، وداره إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أو لا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء متى شاء من ليل أو نهار. ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستتر عن الناس:
فالستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر
وكان ينبغي أن يكون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة، وأدخل على الناس خيرًا حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد ورد على كل مملوك من فضل الأموال من كل شهر ما يتسعون به من غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم. وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول مدة حكمه. إلا أن فريقًا من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد، فوقفوا حياتهم على ترصيد الأذى له، ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي وآخر يسمى أبا مورع وثالث اسمه جندب أبو زهير قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا بها على ابن الحيسمان داره وقتلوه، وكان نازلًا بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة، فجاء هو وابنه من المدينة إلى الكوفة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو الشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين، فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان =
اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط دار الجيل المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 106