responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 237
وَأما الجرأة فَهِيَ إقدام سَببه قلَّة المبالاة وَعدم النّظر فِي الْعَاقِبَة بل تقدم النَّفس فِي غير مَوضِع الْإِقْدَام معرضة عَن مُلَاحظَة الْعَارِض فإمَّا عَلَيْهَا وَإِمَّا لَهَا
فصل وَأما الْفرق بَين الحزم والجبن فالحازم هُوَ الَّذِي قد جمع عَلَيْهِ همه
وإرادته وعقله وَوزن الْأُمُور بَعْضهَا بِبَعْض فأعد لكل مِنْهَا قرنة وَلَفْظَة الحزم تدل على الْقُوَّة وَالْإِجْمَاع وَمِنْه حزمة الْحَطب فحازم الرَّأْي هُوَ الَّذِي اجْتمعت لَهُ شئون رَأْيه وَعرف مِنْهَا خير الخيرين وَشر الشرين فأحجم فِي مَوضِع الإحجام رَأيا وعقلا لَا جبنا وَلَا ضعفا
الْعَاجِز الرَّأْي مضياع لفرصته ... حَتَّى إِذا فَاتَ أَمر عَاتب القدرا
فصل وَأما الْفرق بَين الاقتصاد وَالشح أَن الاقتصاد خلق مَحْمُود يتَوَلَّد من
خلقين عدل وَحِكْمَة فبالعدل يعتدل فِي الْمَنْع والبذل وبالحكمة يضع كل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْضِعه الَّذِي يَلِيق بِهِ فيتولد من بَينهمَا الاقتصاد وَهُوَ وسط بَين طرفين مذمومين كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط فتقعد ملوما محسورا} وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما} وَقَالَ تَعَالَى كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا
وَأما الشُّح فَهُوَ خلق ذميم يتَوَلَّد من سوء الظَّن وَضعف النَّفس ويمده وعد الشَّيْطَان حَتَّى يصير هلعا والهلع شدَّة الْحِرْص على الشَّيْء والشره بِهِ فتولد عَنهُ الْمَنْع لبذله والجزع لفقده كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا}
فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِرَاز وَسُوء الظَّن أَن المحترز بِمَنْزِلَة رجل قد خرج
بِمَالِه ومركوبه مُسَافِرًا فَهُوَ يحْتَرز بِجهْدِهِ من كل قَاطع للطريق وكل مَكَان يتَوَقَّع مِنْهُ الشَّرّ وَكَذَلِكَ يكون مَعَ التأهب والاستعداد وَأخذ الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا ينجو من الْمَكْرُوه فالمحترز كالمتسلح المتطوع الَّذِي قد تأهب للقاء عدوه وَأعد لَهُ عدته فهمه فِي تهيئة أَسبَاب النجَاة ومحاربة عدوه قد أشغلته عَن سوء الظَّن بِهِ وَكلما سَاءَ بِهِ الظَّن أَخذ فِي أَنْوَاع الْعدة وَالتَّأَهُّب

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 237
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست