responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 235
فصل وَالْفرق بَين الْجُود والسرف أَن الْجواد حَكِيم يضع الْعَطاء موَاضعه
والمسرف مبذر وَقد يُصَادف عطاؤه مَوْضِعه وَكَثِيرًا لَا يصادفه وإيضاح ذَلِك أَن الله سُبْحَانَهُ بِحِكْمَتِهِ جعل فِي المَال حقوقا وَهِي نَوْعَانِ حُقُوق موظفة وَحُقُوق ثَانِيَة فالحقوق الموظفة كَالزَّكَاةِ والنفقات الْوَاجِبَة على من تلْزمهُ نَفَقَته
وَالثَّانيَِة كحق الضَّيْف ومكافأة المهدى وَمَا وقى بِهِ عرضه وَنَحْو ذَلِك فالجواد يتوخى بِمَالِه أَدَاء هَذِه الْحُقُوق على وَجه الْكَمَال طيبَة بذلك نَفسه راضية مؤملة للخلف فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب فِي العقبى فَهُوَ يخرج ذَلِك بسماحة قلب وسخاوة نفس وانشراح صدر بِخِلَاف المبذر فَإِنَّهُ يبسط يَده فِي مَاله بِحكم هَوَاهُ وشهوته جزَافا لَا على تَقْدِير وَلَا مُرَاعَاة مصلحَة وَإِن اتّفقت لَهُ فَالْأول بِمَنْزِلَة من بذر حَبَّة فِي الأَرْض تنْبت وتوخى ببذره مَوَاضِع الْمغل والإنبات فَهَذَا لَا يعد مبذرا وَلَا سَفِيها وَالثَّانِي بِمَنْزِلَة من بذر حَبَّة فِي سباخ وعزاز من الأَرْض وَإِن اتّفق بذره فِي مَحل النَّبَات بذر بذرا متراكما بعضه على بعض فَلذَلِك الْمَكَان الْبذر فِيهِ ضائع معطل وَهَذَا الْمَكَان بذر بذرا متراكما بعضه على بعض فَلذَلِك يحْتَاج أَن يقْلع بعض زرعه ليصلح الْبَاقِي وَلِئَلَّا تضعف الأَرْض عَن تَرْبِيَته وَالله سُبْحَانَهُ هُوَ الْجواد على الْإِطْلَاق بل كل جود فِي الْعَالم الْعلوِي والسفلي بِالنِّسْبَةِ إِلَى جوده أقل من قَطْرَة فِي بحار الدُّنْيَا وَهِي من جوده وَمَعَ هَذَا فَإِنَّمَا ينزل بِقدر مَا يَشَاء وجوده لَا يُنَاقض حكمته وَيَضَع عطاءه موَاضعه وَإِن خَفِي على أَكثر النَّاس أَن تِلْكَ موَاضعه فَالله يعلم حَيْثُ يضع فَضله وَأي الْمحَال أولى بِهِ
فصل وَالْفرق بَين المهابة وَالْكبر أَن المهابة أثر من آثَار امتلاء الْقلب
يعظمه الله ومحبته وإجلاله فَإِذا امْتَلَأَ الْقلب بذلك حل فِيهِ النُّور وَنزلت عَلَيْهِ السكينَة وألبس رِدَاء الهيبة فأكتسى وَجهه الْحَلَاوَة والمهابة فَأخذ بِمَجَامِع الْقُلُوب محبَّة ومهابة فحنت إِلَيْهِ الأفئدة وقرت بِهِ الْعُيُون وأنست بِهِ الْقُلُوب فَكَلَامه نور ومدخله نور ومخرجه نور وَعَمله نور وَإِن سكت علاهُ الْوَقار وَإِن تكلم أَخذ بالقلوب والأسماع
وَأما الْكبر فأثر من آثَار الْعجب وَالْبَغي من قلب قد امْتَلَأَ بِالْجَهْلِ وَالظُّلم ترحلت مِنْهُ الْعُبُودِيَّة وَنزل عَلَيْهِ المقت فنظره إِلَى النَّاس شزر ومشيه بَينهم تبختر ومعاملته لَهُم مُعَاملَة الاستئثار لَا الإيثار وَلَا الْإِنْصَاف ذَاهِب بِنَفسِهِ تيها لَا يبْدَأ من لقِيه بِالسَّلَامِ وَإِن رد عَلَيْهِ

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 235
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست