responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 225
أَحدهَا استكثار مَا من الله عَلَيْهِ
وَالثَّانِي اسْتِقْلَال مَا مِنْهُ من الطَّاعَة كائنة مَا كَانَت ثمَّ تبرق لَهُ بارقة أُخْرَى يرى فِي ضوئها عزة وقته وخطره وشرفه وَأَنه رَأس مَال سعادته فيبخل بِهِ أَن يضيعه فَمَا يقربهُ إِلَى ربه فَإِن فِي إضاعته الخسران وَالْحَسْرَة والندامة وَفِي حفظه وعمارته الرِّبْح والسعادة فيشح بأنفاسه أَن يضيعها فِيمَا لَا يَنْفَعهُ يَوْم معاده
فصل ثمَّ يلحظ فِي ضوء تِلْكَ البارقة مَا تَقْتَضِيه يقظته من سنة غفلته
من التَّوْبَة والمحاسبة والمراقبة والغيرة لرَبه أَن يُؤثر عَلَيْهِ غَيره وعَلى حَظه من رِضَاهُ وقربه وكرامته بِبيعِهِ بِثمن بخس فِي دَار سريعة الزَّوَال وعَلى نَفسه أَن يملك رقها لمعشوق أَو فكر فِي مُنْتَهى حسنه وَرَأى آخِره بِعَين بصيره لأنف لَهَا من محبته
فَهَذَا كُله من آثَار الْيَقَظَة وموجباتها وَهِي أول منَازِل النَّفس المطمئنة الَّتِي نَشأ مِنْهَا سفرها إِلَى الله وَالدَّار الْآخِرَة
فصل وَأما النَّفس اللوامة وَهِي الَّتِي أقسم بهَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله
{وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوامة} فَاخْتلف فِيهَا فَقَالَت طَائِفَة هِيَ الَّتِي لَا تثبت على حَال وَاحِدَة اخذوا اللَّفْظَة من التَّلَوُّم وَهُوَ التَّرَدُّد فَهِيَ كَثِيرَة التقلب والتلون وَهِي من أعظم آيَات الله فَإِنَّهَا مَخْلُوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة فضلا عَن الْيَوْم والشهر وَالْعَام والعمر ألوانا متلونة فَتذكر وتغفل وَتقبل وَتعرض وتلطف وَتكشف وتنيب وتجفو وتحب وَتبْغض وتفرح وتحزن وترضى وتغضب وتطع وتنقى وتفجر إِلَى أَضْعَاف أَضْعَاف ذَلِك من حالاتها وتلونها فَهِيَ تتلون كل وَقت ألوانا كَثِيرَة فَهَذَا قَول
وَقَالَت طَائِفَة اللَّفْظَة مَأْخُوذَة من اللوم ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت فرقة هِيَ نفس الْمُؤمن وَهَذَا من صفاتها الْمُجَرَّدَة قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ أَن الْمُؤمن لَا ترَاهُ إِلَّا يلوم نَفسه دَائِما يَقُول مَا أردْت بِهَذَا لم فعلت هَذَا كَانَ غير هَذَا أولى أَو نَحْو هَذَا من الْكَلَام
وَقَالَ غَيره هِيَ نفس الْمُؤمن توقعه فِي الذَّنب ثمَّ تلومه عَلَيْهِ فَهَذَا اللوم من الْإِيمَان بِخِلَاف الشقي فَإِنَّهُ لَا يلوم نَفسه على ذَنْب بل يلومها وتلومه على فَوَاته
وَقَالَت طَائِفَة بل هَذَا اللوم للنوعين فَإِن كل أحد يلوم نَفسه برا كَانَ أَو فَاجِرًا فالسعيد يلومها على ارْتِكَاب مَعْصِيّة الله وَترك طَاعَته والشقي لَا يلومها إِلَّا على فَوَات حظها وهواها

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 225
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست