responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 222
لَهَا ويرضى بهَا وَلَا يسْخط وَلَا يشكو وَلَا يضطرب إيمَانه فَلَا يأسى على مَا فَاتَهُ وَلَا يفرح بِمَا أَتَاهُ لِأَن الْمُصِيبَة فِيهِ مقدرَة قبل أَن تصل إِلَيْهِ وَقبل أَن يخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير لكيلا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم قَالَ تَعَالَى {مَا أصَاب من مُصِيبَة إِلَّا بِإِذن الله وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} قَالَ غير وَاحِد من السّلف هُوَ العَبْد تصيبه الْمُصِيبَة فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله فيرضى وَيسلم فَهَذِهِ طمأنينة إِلَى أَحْكَام الصِّفَات وموجباتها وآثارها فِي الْعَالم وهى قدر زَائِد على الطُّمَأْنِينَة بِمُجَرَّد الْعلم بهَا واعتقادها وَكَذَلِكَ سَائِر الصِّفَات وآثارها ومتعلقاتها كالسمع وَالْبَصَر وَالرِّضَا وَالْغَضَب والمحبة فَهَذِهِ طمأنينة الْإِيمَان
وَأما طمأنينة الْإِحْسَان فَهِيَ الطُّمَأْنِينَة إِلَى أمره امتثالا وإخلاصا وَنصحا فَلَا يقدم على أمره إِرَادَة وَلَا هوى وَلَا تقليدا فَلَا يساكن شُبْهَة تعَارض خَبره وَلَا شَهْوَة تعَارض أمره بل إِذا مرت بِهِ أنزلهَا منزلَة الوساوس الَّتِي لِأَن يخر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض أحب إِلَيْهِ من أَن يجدهَا فَهَذَا كَمَا النَّبِي صَرِيح الْإِيمَان وعلامة هَذِه الطُّمَأْنِينَة أَن يطمئن من قلق الْمعْصِيَة وانزعاجها إِلَى سُكُون التَّوْبَة وحلاوتها وفرحتها ويسهل عَلَيْهِ ذَلِك بِأَن يعلم أَن اللَّذَّة والحلاوة والفرحة فِي الظفر بِالتَّوْبَةِ وَهَذَا أَمر لَا يعرفهُ إِلَّا من ذاق الْأَمريْنِ وباشر قلبه آثارهما فللتوبة طمأنينة تقَابل مَا فِي الْمعْصِيَة من الانزعاج والقلق وَلَو فتش العَاصِي عَن قلبه لوجده حشْوَة المخاوف والانزعاج والقلق وَالِاضْطِرَاب وَإِنَّمَا يوارى عَنهُ شُهُود ذَلِك سكر الْغَفْلَة والشهوة فَإِن لكل شَهْوَة سكرا يزِيد على سكر الْخمر وَكَذَلِكَ الْغَضَب لَهُ سكر أعظم من سكر الشَّرَاب وَلِهَذَا ترى العاشق والغضبان يفعل مَالا يَفْعَله شَارِب الْخمر وَكَذَلِكَ يطمئن من قلق الْغَفْلَة والإعراض إِلَى سُكُون الإقبال على الله وحلاوة ذكره وَتعلق الرّوح بحبه ومعرفته فَلَا طمأنينة للروح بِدُونِ هَذَا أبدا وَلَو أنصفت نَفسهَا لرأتها إِذا فقدت ذَلِك فِي غَايَة الانزعاج والقلق وَالِاضْطِرَاب وَلَكِن يواريها السكر فَإِذا كشف الغطاء تبين لَهُ حَقِيقَة مَا كَانَ فِيهِ
فصل وَهَا هُنَا سر لطيف يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ والتنبه لَهُ والتوفيق لَهُ بيد
من أزمة التَّوْفِيق بِيَدِهِ وَهُوَ أَن الله سُبْحَانَهُ جعل لكل عُضْو من أَعْضَاء الْإِنْسَان كمالا إِن لم يحصل لَهُ فَهُوَ فِي قلق واضطراب وانزعاج بِسَبَب فقد كَمَاله الَّذِي جعل لَهُ مِثَالا كَمَال الْعين بالأبصار وَكَمَال الْأذن بِالسَّمْعِ وَكَمَال اللِّسَان بالنطق فَإِذا عدمت هَذِه الْأَعْضَاء القوى الَّتِي بهَا كمالها حصل الْأَلَم وَالنَّقْص بِحَسب فَوَات ذَلِك وَجعل كَمَال الْقلب ونعيمه وسروره ولذته وابتهاجه فِي مَعْرفَته سُبْحَانَهُ وإرادته ومحبته والإنابة

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست