responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 155
فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ أَنْت آدم أَبُو الْبشر خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته وعلمك أَسمَاء كل شَيْء فَذكرُوا لآدَم أَربع خَصَائِص اخْتصَّ بهَا عَن غَيره وَلَو كَانَت الرّوح الَّتِي فِيهِ إِنَّمَا هِيَ من نفخة الْملك لم يكن لَهُ خصيصة بذلك وَكَانَ بِمَنْزِلَة الْمَسِيح بل وَسَائِر أَوْلَاده فَإِن الرّوح حصلت فيهم من نفخة الْملك وَقد قَالَ تَعَالَى {فَإِذا سويته ونفخت فِيهِ من روحي} فَهُوَ الَّذِي سواهُ بِيَدِهِ وَهُوَ الَّذِي نفخ فِيهِ من روحه
قيل هَذَا الْموضع الَّذِي أوجب لهَذِهِ الطَّائِفَة أَن قَالَت بقدم الرّوح وَتوقف فِيهَا آخَرُونَ وَلم يفهموا مُرَاد الْقُرْآن فَأَما الرّوح المضافة إِلَى الرب فَهِيَ روح مخلوقة أضافها إِلَى نَفسه إِضَافَة تَخْصِيص وتشريف كَمَا بَينا وَأما النفخ فقد قَالَ تَعَالَى فِي مَرْيَم {الَّتِي أحصنت فرجهَا فنفخنا فِيهِ من رُوحنَا} وَقد أخبر فِي مَوضِع آخر أَنه أرسل إِلَيْهَا الْملك فَنفخ فِي فرجهَا وَكَانَ النفخ مُضَافا إِلَى الله أمرا وإذنا وَإِلَى الرَّسُول مُبَاشرَة
يبْقى هَا هُنَا أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن يُقَال فَإِذا كَانَ النفخ حصل فِي مَرْيَم من جِهَة الْملك وَهُوَ الَّذِي ينْفخ الْأَرْوَاح فِي سَائِر الْبشر فَمَا وَجه تَسْمِيَة الْمَسِيح روح الله وَإِذا كَانَ سَائِر النَّاس تحدث أَرْوَاحهم من هَذِه الرّوح فَمَا خاصية الْمَسِيح
الثَّانِي أَن يُقَال فَهَل تعلق الرّوح بِآدَم كَانَت بِوَاسِطَة نفخ هَذَا الرّوح هُوَ الَّذِي نفخها فِيهِ بِإِذن الله كَمَا نفخها فِي مَرْيَم أم الرب تَعَالَى هُوَ الَّذِي نفخها بِنَفسِهِ كَمَا خلقه بِيَدِهِ قيل لعمر الله انهما سؤالان مهمان فَأَما الأول فَالْجَوَاب عَنهُ أَن الرّوح الَّذِي نفخ فِي مَرْيَم هُوَ الرّوح الْمُضَاف إِلَى الله الَّذِي اختصه لنَفسِهِ وأضافه إِلَيْهِ وَهُوَ روح خَاص من بَين سَائِر الْأَرْوَاح وَلَيْسَ بِالْملكِ الْمُوكل بالنفخ فِي بطُون الْحَوَامِل من الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار فَإِن الله سُبْحَانَهُ وكل بالرحم ملكا ينْفخ الرّوح فِي الْجَنِين فَيكْتب رزق الْمَوْلُود وأجله وَعَمله وشقاوته وسعادته
وَأما هَذَا الرّوح الْمُرْسل إِلَى مَرْيَم فَهُوَ روح الله الَّذِي اصطفاه من الْأَرْوَاح لنَفسِهِ فَكَانَ لِمَرْيَم بِمَنْزِلَة الْأَب لسَائِر النَّوْع فان نفخته لما دخلت فِي فرجهَا كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة لقاح الذّكر للْأُنْثَى من غير أَن يكون هُنَاكَ وَطْء وَأما مَا اخْتصَّ بِهِ آدم فَإِنَّهُ لم يخلق كخلقة الْمَسِيح من أم وَلَا كخلقة سَائِر النَّوْع من أَب وَأم وَلَا كَانَ الرّوح الَّذِي نفخ الله فِيهِ مِنْهُ هُوَ الْملك الَّذِي ينْفخ الرّوح فِي سَائِر أَوْلَاده وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يكن لآدَم بِهِ اخْتِصَاص وَإِنَّمَا ذكر فِي الحَدِيث مَا اخْتصَّ بِهِ على غَيره وَهُوَ أَرْبَعَة أَشْيَاء خلق الله لَهُ بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه واسجاد مَلَائكَته لَهُ وتعليمه أَسمَاء كل شَيْء فنفخه فِيهِ من روحه يسْتَلْزم نافخا ونفخا ومنفوخا مِنْهُ فالمنفوخ مِنْهُ هُوَ الرّوح المضافة إِلَى الله فَمِنْهَا سرت النفخة فِي طِينَة آدم وَالله تَعَالَى هُوَ الَّذِي نفخ فِي طينته من

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 155
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست