responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 131
ثمَّ أورد على نَفسه سؤالا وَهُوَ فَإِن قيل أَلَيْسَ قَضَاء الدّين وَتحمل الْكل حَال الْحَيَاة كقضائه بعد الْمَوْت فقد اسْتَوَى ضَمَان الْحَيَاة وَضَمان الْمَوْت فِي أَنَّهُمَا يزيلان الْمُطَالبَة عَنهُ فَإِذا وصل قَضَاء الدُّيُون بعد الْمَوْت وَحَال الْحَيَاة فإجعلوا ثَوَاب الإهداء واصلا حَال الْحَيَاة وَبعد الْمَوْت
وَأجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ لَو صَحَّ هَذَا وَجب أَن تكون الذُّنُوب تكفر عَن الْحَيّ بتوبة غَيره عَنهُ ويندفع عَنهُ مآثم الْآخِرَة بِعَمَل غَيره واستغفاره
قلت وَهَذَا لَا يلْزم بل طرد ذَلِك انْتِفَاع الْحَيّ بِدُعَاء غَيره لَهُ واستغفاره لَهُ وَتصدقه عَنهُ وَقَضَاء دُيُونه وَهَذَا حق وَقد أذن النَّبِي فِي أَدَاء فَرِيضَة الْحَج عَن الْحَيّ المعضوب وَالْعَاجِز وهما حَيَّان
وَقد أجَاب غَيره من الْأَصْحَاب بِأَن حَال الْحَيَاة لَا نثق بسلامة الْعَاقِبَة خوفًا أَن يرْتَد المهدى لَهُ فَلَا ينْتَفع بِمَا يهدى إِلَيْهِ
قَالَ ابْن عقيل وَهَذَا عذر بَاطِل بإهداء الْحَيّ فَإِنَّهُ لَا يُؤمن أَن يرْتَد وَيَمُوت فيحبط عمله وَمن جملَته ثَوَاب مَا أهْدى إِلَى الْمَيِّت
قلت هَذَا لَا يلْزمهُم وموارد النَّص وَالْإِجْمَاع تبطله وترده فان النَّبِي أذن فِي الْحَج وَالصَّوْم عَن الْمَيِّت وَأجْمع النَّاس على بَرَاءَة ذمَّته من الدّين إِذا قَضَاهُ عَنهُ الْحَيّ مَعَ وجود مَا ذكر من الِاحْتِمَال
وَالْجَوَاب أَن يُقَال مَا أهداه من أَعمال الْبر إِلَى الْمَيِّت فقد صَار ملكا لَهُ فَلَا يبطل بردة فَاعله بعد خُرُوجه عَن ملكه كتصرفاته الَّتِي تصرفها قبل الرِّدَّة من عتق وَكَفَّارَة بل لَو حج عَن معضوب ثمَّ ارْتَدَّ بعد ذَلِك لم يلْزم المعضوب أَن يُقيم غَيره يحجّ عَنهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤمن فِي الثَّانِي وَالثَّالِث ذَلِك
على أَن الْفرق بَين الْحَيّ وَالْمَيِّت أَن الْحَيّ لَيْسَ بمحتاج كحاجة الْمَيِّت إِذْ يُمكنهُ أَن يُبَاشر ذَلِك الْعَمَل أَو نَظِيره فَعَلَيهِ اكْتِسَاب الثَّوَاب بِنَفسِهِ وسعيه بِخِلَاف الْمَيِّت
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى اتكال بعض الْأَحْيَاء على بعض وَهَذِه مفْسدَة كَبِيرَة فان أَرْبَاب الْأَمْوَال إِذا فَهموا ذَلِك واستشعروه استأجروا من يفعل ذَلِك عَنْهُم فَتَصِير الطَّاعَات معاوضات وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى إِسْقَاط الْعِبَادَات والنوافل وَيصير مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله يتَقرَّب بِهِ إِلَى الْآدَمِيّين فَيخرج عَن الْإِخْلَاص فَلَا يحصل الثَّوَاب لوَاحِد مِنْهُمَا

اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم    الجزء : 1  صفحة : 131
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست