اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم الجزء : 1 صفحة : 110
وَقَوله أَن أَرْوَاح السُّعَدَاء عَن يَمِين آدم وأرواح الْكفَّار الأشقياء عَن يسَاره حق كَمَا أخبر بِهِ النَّبِي وَقَوله إِن ذَلِك عِنْد مُنْقَطع العناصر لَا دَلِيل عَلَيْهِ من كتاب وَلَا سنة وَلَا يشبه أَقْوَال أهل الْإِسْلَام وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تدل على أَن الْأَرْوَاح فَوق العناصر فِي الْجنَّة عِنْد الله وأدلة الْقُرْآن تدل على ذَلِك وَقد وَافق أَبُو مُحَمَّد على أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي الْجنَّة وَمَعْلُوم أَن الصديقين أفضل مِنْهُم فَكيف تكون روح أَبى بكر الصّديق وَعبد الله بن مَسْعُود وأبى الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم رضى الله عَنْهُم عِنْد مُنْقَطع العناصر وَذَلِكَ تَحت هَذَا الْفلك الْأَدْنَى وَتَحْت السَّمَاء الدُّنْيَا وَتَكون أَرْوَاح شُهَدَاء زَمَاننَا وَغَيرهم فَوق العناصر وَفَوق السَّمَوَات
وَأما قَوْله قد ذكر مُحَمَّد بن نصر المروزى عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَنه ذكر هَذَا الَّذِي قُلْنَا بِعَيْنِه قَالَ وعَلى هَذَا جَمِيع أهل الْعلم وَهُوَ قَول جَمِيع أهل الْإِسْلَام
قلت مُحَمَّد بن نصر المروزى ذكر فِي كتاب الرَّد على ابْن قُتَيْبَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم} الْآثَار الَّتِي ذكرهَا السّلف من اسْتِخْرَاج ذُرِّيَّة آدم من صلبه ثمَّ أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم وردهم فِي صلبه وَأَنه أخرجهم مثل الذَّر وَأَنه سُبْحَانَهُ قسمهم إِذْ ذَاك إِلَى شقي وَسَعِيد وَكتب آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وَمَا يصيبهم من خير وَشر ثمَّ قَالَ قَالَ إِسْحَاق أجمع أهل الْعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قبل الأجساد استنطقهم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل} هَذَا نَص كَلَامه وَهُوَ كَمَا ترى لَا يدل على أَن مُسْتَقر الْأَرْوَاح مَا ذكر أَبُو مُحَمَّد حَيْثُ تَنْقَطِع العناصر بِوَجْه من الْوُجُوه بل وَلَا يدل على أَن الْأَرْوَاح كائنة قبل خلق الأجساد بل إِنَّمَا يدل على أَنه سُبْحَانَهُ أخرجهَا حِينَئِذٍ فخاطبها ثمَّ ردهَا إِلَى صلب آدم وَهَذَا القَوْل وَإِن كَانَ قد قَالَه جمَاعَة من السّلف وَالْخلف فَالْقَوْل الصَّحِيح غَيره كَمَا ستقف عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله إِذْ لَيْسَ الْغَرَض فِي جَوَاب هَذِه الْمَسْأَلَة الْكَلَام فِي الْأَرْوَاح هَل هِيَ مخلوقة قبل الأجساد أم لَا حَتَّى لَو سلم لأبى مُحَمَّد هَذَا كُله لم يكن فِيهِ دَلِيل على أَن مستقرها حَيْثُ تَنْقَطِع العناصر وَلَا أَن ذَلِك الْموضع كَانَ مستقرها أَولا
فصل وَأما قَول من قَالَ مستقرها الْعَدَم الْمَحْض فَهَذَا قَول من قَالَ إِنَّهَا
عرض من أَعْرَاض الْبدن وَهُوَ الْحَيَاة وَهَذَا قَول ابْن الباقلانى وَمن تبعه وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْهُذيْل العلاف النَّفس عرض من الْأَعْرَاض وَلم يُعينهُ بِأَنَّهُ الْحَيَاة كَمَا عينه ابْن الباقلانى ثمَّ قَالَ هِيَ عرض كَسَائِر أَعْرَاض الْجِسْم
اسم الکتاب : الروح المؤلف : ابن القيم الجزء : 1 صفحة : 110